البحرين-جريدة أخبار الخليج- السبت 20 أكتوبر
2012 الموافق 4 ذو الحجة 1433 العدد
12629
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
نحو اتفاقية دولية لحظر ازدراء الأديان
ربما لم يكن العالم في حاجة إلى
اتفاقية دولية تحظر ازدراء الأديان مثل اللحظة الحالية، فبينما كان هذا العالم يسير
بخطى متسارعة نحو تقاربه في إطار شامل للعولمة بكافة جوانبها، إذا بعمل صغير يكشف
أن هذا العالم مازال أمامه نحو العولمة خاصة الثقافية بون شاسع يقتضي منه الاهتمام
بصياغة اتفاقية دولية ضد ازدراء الأديان.
فمرة أخرى وليست أخيرة يقفز مشهد استعداء الشعوب الإسلامية إلى صدارة الأنباء،
بإنتاج فيلم سينمائي في الولايات المتحدة يسيء إلى الرسول محمد (صلى الله عليه
وسلم)، ولدى نشر مقاطع من هذا الفيلم اشتعلت ردود الفعل الغاضبة في أنحاء العالم
الإسلامي وبين المسلمين في الدول غير الإسلامية، وهو الغضب الذي توجه ليس فقط ضد
منتجي هذا الفيلم، ولكنه في حالات كثيرة ضد الإدارة الأمريكية، لتدفع هذه الإدارة
في الأيام الأولى لثورة الغضب ثمنًا باهظًا، ليس فقط في مصرع السفير الأمريكي في
ليبيا وحرق القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية وهي التي كانت قد انطلقت
منها الثورة ضد القذافي وكانت الإدارة الأمريكية داعمة لها، ولكن في تعميق الصورة
السلبية لهذه الإدارة، تلك الصورة التي عملت الإدارة الأمريكية على تعزيزها منذ
صعود اليمين الأمريكي في بداية الألفية الجديدة وإعلانه قيادة العالم في حرب ضد
الإرهاب، والتي بدأها بغزو أفغانستان واحتلالها ثم غزو العراق واحتلاله.
ولم يتوقف الأمر على هذه الغزوات، بل استخدمت الإدارة الأمريكية آلاتها الإعلامية
الضخمة ذات الانتشار العالمي في بث كراهية المسلمين في أنحاء العالم، الأمر الذي
جعل قادة العالم الإسلامي ومثقفيه يركنون إلى خانة الدفاع عن دينهم وتبرئته من تهمة
الإرهاب. ومحاولة نقل ساحات الدفاع إلى العواصم الغربية والآسيوية من خلال إطلاق
حوارات الحضارات وحوارات الأديان. وكان المسلمون قد توسموا خيرًا بفوز «باراك
أوباما» ذي الأصول الإسلامية في انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد ولاية «جورج بوش»
الابن الثانية، غير أنه في كل مناسبة احتفال بذكرى 11 سبتمبر يأتي من ينفخ في
الرماد لإشعال الفتنة من جديد متدثرًا بغطاء حرية الرأي وحرية التعبير، ليكون رد
الفعل المباشر، وهو يعلم ذلك جيدًا فورات شعوب العالم الإسلامي الذي يعد الدين أهم
مكونات شخصيتها والناظم لسلوكها، ويحدث ما رأيناه من أعمال عنف كتلك التي راح
السفير الأمريكي ضحيتها.
وإذا كانت حريات الرأي والتعبير تسمح بإنتاج مثل هذه الأعمال مع ما لها من آثار
ضارة على الصورة الذهنية للإدارة الأمريكية لدى أكثر من مليار ونصف المليار من
البشر هم مسلمو العالم، ومن ثم على المصالح الأمريكية في بلدانهم فلماذا لا تسمح
هذه الحريات في الولايات المتحدة والعالم الغربي أو في أي من دول العالم بانتقاد
وفضح الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعتبر ذلك من قبل
معاداة السامية التي صدرت تشريعات بشأنها تستوجب التحقيق والعقاب، وقد امتد هذا
ليطال أي إنسان ويلاحقه في أي مكان في العالم، وتمتد معاداة السامية لتتناول ما
تعتبره إسرائيل روايات مستقرة، كعدد اليهود الذين قتلهم النازي في ألمانيا وبولندا
والنمسا أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية وإيداعات هؤلاء اليهود في البنوك
السويسرية، فمجرد مناقشة هذا العدد الذي تذكره الرواية الإسرائيلية أنه 6 ملايين
شخص، والتشكيك في هذه الإيداعات، تبعث بمن يثيرها إلى التحقيق والمحاكمة والعقاب،
وقد كان الفيلسوف الفرنسي الراحل «روجيه جارودي» مثلاً صارخًا لمثل هذه الممارسات،
وهناك وقائع كثيرة مماثلة في الولايات المتحدة وأوروبا، ومع أن العرب ينتمون إلى
الجنس السامي شأنهم في ذلك شأن اليهود، فهم أبناء عمومة، غير أن قوانين معاداة
السامية تتعرض في واقع الحال فقط لما يقع على اليهود ولا تتعرض لما يقع على العرب،
وهنا نجد أسلوب الكيل بمكيالين، ونجد أثر غياب تشريع دولي يحظر ازدراء الأديان، وهي
حالة لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال بالعدالة.
وإذا كان منتجو هذا الفيلم المسيئ للمسلمين شخصيات ضعيفة الوزن مجتمعيًا ودوليًا
كانوا قد سعوا من وراء هذا العمل إلى المال والشهرة، فليس هناك دعاية لهذا الفيلم
أكثر من تلك المظاهرات التي عمت العالم، لكنه في غياب تحقيق دقيق رصين لا نجد
أمامنا غير الاحتمالات لمحاولة استقراء أسباب بث هذا الفيلم إليكترونيًا والتي يذهب
أغلبها إلى ما بعد هذا المال والشهرة اللذين كانا مسعى منتجيه، وتدور هذه
الاحتمالات حول الآتي:
1 - محاولة إشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في ربوع العالم الإسلامي
وخارجه، وهذه الفتنة قائمة حاليًا في عدد من دول العالم كـ: ميانمار ونيجيريا
والفلبين وأوغندا، خاصة وأن منتجي هذا الفيلم ينتمون إلى الديانة المسيحية، وإن
شكلاً، وقد غاب عن هؤلاء أن الإيمان بالدين الإسلامي الحنيف أحد مقوماته الأساسية
الإيمان بالكتب السماوية وكافة الرسل، وأن الدين الإسلامي قد وضع عيسى عليه السلام
في مرتبة رفيعة بين الأنبياء والرسل، كما وضع أمه السيدة مريم في مرتبة سامية بين
نساء العالمين، وقد أدرك مسلمو العالم الإسلامي ومسيحيو هذه المحاولة الكريهة
لإشعال الفتنة، فشملت مظاهرات الغضب المضادة لهذا الفيلم المسلمين والمسيحيين على
حد سواء، بل كان مسيحيو الشرق أكثر غضبًا أحيانًا من المسلمين أنفسهم.
2 - محاولة دق إسفين في مجرى العلاقات الاستراتيجية المصرية الأمريكية، خاصة في
فترة تسبق سفر الرئيس المصري إلى الولايات المتحدة، حيث إن موجات الغضب تتجه ضد
الولايات المتحدة المكان الذي تم فيه إنتاج الفيلم، في اتهام للإدارة الأمريكية
أنها على الأقل غضت الطرف عن هذا الإنتاج، ولم تسع لمنع بثه مع إدراكها لردود
الأفعال المتوقعة، ومع استنكار الرئيس الأمريكي «أوباما» ووزيرة خارجيته «هيلاري
كلينتون» لهذا العمل، لكنه في نفس الوقت استنكرا ردود الأفعال الغاضبة غير المنضبطة
ضد السفارات الأمريكية خاصة في بلدان الربيع العربي، وذهبا في وصف مصر إلى أنها
ليست حليفة للولايات المتحدة وليست عدوة، وهو وصف يغاير تصنيف مصر في السياسة
الخارجية الأمريكية بأنها حليف خاص خارج حلف الأطلنطي، كما أن مصر هي ثاني أكبر
متلق للمعونة الأمريكية عالميًا بعد إسرائيل.
3 - إحراج النظم السياسية الوليدة في بلدان الربيع العربي ذات الخلفية الإسلامية،
وبيان ضعف قدرتها على ضبط الأمن، فكيف تتصرف هذه النظم ضد هذا العمل الذي يسيء إلى
الرسول العظيم؟ وكيف يوصف ضبط نفسها من قبل جماهيرها الذي يعد الدين محورًا أساسيًا
لحياتها ومنظمًا رئيسيًا لهذه الحياة؟ هل يصل النضج وضبط النفس إلى حد تجاهل هذا
العمل أو عدم الوقوف عنده كثيرًا، أم تشتط هذه النظم في انفعالها تجاوبًا مع
جماهيرها حتى تنال رضاها في وقت هي في أشد الحاجة فيه إلى هذا الرضا؟ ويمكن القول
إن هذه النظم قد تجاوزت هذا الإحراج باستنكارها التصرفات غير المسؤولة التي صدرت من
بعض المتظاهرين بل القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة.
4 - محاولة استشراف التباين بين التيارات الإسلامية المختلفة في موقفها من هذا
العمل، فهل يظل تيار الإخوان المسلمون على اعتداله فيكسب الداخل والخارج، أم يغض
الطرف عن الصوت الزاعق من قبل التيارات الإسلامية المتشددة، خاصة أن بعض هذه
التيارات قد دخلت الانتخابات النيابية واستطاعت الفوز بمقاعد في السلطة التشريعية؟
غير أنه أيًا كانت ردود الأفعال وأيٌّا كانت الاحتمالات الأرجح في تفسير بث هذا
الفيلم، فإن تكرار هذا العمل يثبت أن العالم في حاجة ماسة إلى اتفاقية دولية تصدرها
هيئة الأمم المتحدة وتدعو كل دول العالم للتصديق عليها، ومن ثم وضعها في تشريعاتها
الوطنية، اتفاقية تحظر ازدراء الأديان وما تحتويه من رموز ومقدسات، والمفروض أن
عالم القرن الحادي والعشرين قد تجاوز مرحلة الصراعات الدينية بعد هذا التقدم
التكنولوجي المذهل الذي حققه، خاصة أن قضايا العالم العديدة التي تهم البشر جميعًا
هي الأولى بالاهتمام العالمي، غير أن مثل هذه الاتفاقية التي تتوافق على مضمونها كل
دول العالم وشعوبه ينبغي أن تبادر بالدعوة إليها وتبنيها منظمة التعاون الإسلامي
بالتوافق مع الفاتيكان، فتكون موضوعًا حاضرًا في منتديات حوار الحضارات ومنتديات
الحوار الإسلامي المسيحي والاجتماعات المشتركة ذات الإطار الواسع التي تضم دولاً من
ديانات مختلفة على المستويين الإقليمي والدولي كقمة العشرين، وعدم الانحياز
والجمعية العامة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والآسيان
ومنظمة الدول الأمريكية، ويمكن أن يبادر الأزهر الشريف في مصر أو إحدى الجامعات
الإسلامية بطرح هذه المبادرة للحوارات المجتمعية في مختلف دول العالم وتقديم مشروع
متكامل بشأنها، ومن دون هذه الاتفاقية ومن دون الالتزام بها يكون العالم مع تكرار
مثل هذا العمل المسيئ في سباحة ضد تيار العولمة خاصة العولمة الثقافية
دستور مملكة البحرين
قرار
وزارة التنمية الاجتماعية رقم (37) لسنة 2012 بشأن الترخيص بتسجيل الجمعية
البحرينية لتسامح وتعايش الأديان