البحرين-جريدة الوسط-الأحد 02 ديسمبر 2012م
الموافق 18 محرم 1434هـ -العدد 3739
سيناريوهات إجراءات
القبض والجزاء
يعقوب سيادي
في المجتمعات القبلية القديمة، كان نادراً ما يَجْهَد المعني بالقبض على متجاوز
للعادات والأعراف القبلية، من بعد أن يصدر الحكم بالقبض عليه، من قبل مجلس القبيلة
تشاوراً والذي يرأسه رئيسها، فغالباً ما يكون المطلوب القبض عليه متواجداً بإرادته
وإرادة الأعراف (القانون)، في مجلس القبيلة للمحاكمة. أما إجراءات الحبس فتتم
بانقياد طوعي للجاني، للمكوث في مساحة معينة داخل أو أمام مدخل كهف، ولا يقفل عليه
باب، كل تلك الإجراءات مؤداها الحفاظ على حقوق السجين الإنسانية من دون إضرار عدا
عقوبة الحبس، فهو ينال حقه في المأكل والملبس والترويح، ولا يتعرض لإهانات من أحد
لا صغير ولا وجيه، بل يمكن أن يُوكَل إليه أمر سن السيف، أو رعاية أغنام أو ما شابه
من احتياجات القبيلة والتي يبرع السجين في أدائها.
أما في عصرنا الحالي، فلم تختلف المعايير الإنسانية في حقوق السجين، ولا في إنسانية
إلقاء القبض، فقد نصت القوانين المحلية والمعاهدات الدولية، على أكثر مما كان
سائداً أيام المجتمعات القبلية، وتم تجهيز أماكن الحبس بمتطلبات الحياة الطبيعية،
وسميت قانوناً مراكز الإصلاح والتأهيل، من حيث ألا يكون الحبس نهاية تطور قدرات
وإمكانيات السجين واستعداداته لخدمة المجتمع من بعد تأهيله وإصلاحه، فإن لم يتأهل
فأقله إصلاح حاله إلى أفضل مما كان، وإلا فهو نتيجة لقصور القائمين على مؤسسات
الإصلاح.
وفي واقعنا البحريني؛ حضرت تنفيذ أمر قبض على ممتنع عن دفع دين، فقد طلب منه الشرطي
مرافقته في الجيب، فتمنع، فخيره الشرطي ما بين مرافقته طوعاً أو تقييده بالقيد
(الهفكري أو الكلبشات)، فطلب الجاني فرصةً لتبديل ملابسه والاغتسال السريع، فمنحه
الشرطي حقه ذاك، ورافق الشرطي الى مركز الشرطة.
وموقف ثانٍ، أن أحد الضباط، من بعد سماعه نباح كلب كان في منزلنا للحراسة وتلبية
لهواية تربية الدواجن والحيوانات، فقد طرق الباب بأدب، وبعد الإقرار لهم بشخصي وحبس
الكلب، دخلت قوات الأمن للتفتيش فعاثت في غرفتي بحثاً عما أدريه، وصادرت مجموعة من
الكتب الثقافية، ولكن كان للضابط الذي لا أعرفه تصرف أترك تقديره للقارئ، بأن رفع
قطعة بساط من فوق رف في النافذة، فوجد ورقة (استنسل)، تلك الأوراق الحريرية التي
يطبع عليها، ومن بعد تُستخدم للنسخ، وقد كانت وسيلة في وقتها لطباعة المنشورات،
فأعاد البساط حيث كان وطلب من القوات الاكتفاء والانصراف، واقتادوني لمبنى
التحقيقات الجنائية، وهناك جرى معي التحقيق واقفاً، ثم دخل ضابط اعرفة، وبادرني
بالقول إنه هو من يعرفني بأني شيوعي، وتناول كتاب «الشيوعية والإسلام» كدليل اتهام،
فأجبته بأن الكتاب يحارب الشيوعية عبر تطبيق الإسلام، ولم يكن لديه أكثر من ذلك.
ولكن تمادى، بأن طلب مني الجلوس على كرسي، أوقعني على الأرض في ظل ضحكات منه. كان
الكرسي متكئاً على إحدى أرجله الخلفية المكسورة، بعدها تركني منتظراً في غرفة
الانتظار ساعتين ثم أفرج عني.
وموقف آخر، كان أحد إخوتي موقوفاً بحكم قانون أمن الدولة سيئ الصيت في العام 1976،
وقد مرض وتواجد في مستشفى السلمانية، فكانت لنا زيارة له، بحضور رجل أمن غثّنا
بِلَغوِه مدحاً في السلطات، إلى درجة أن قاربت فترة الزيارة على الانتهاء ولم يفسح
لنا مجالاً لسؤال أخي المريض عن حاله، فأوضحت لرجل الأمن أننا في حاجة لمجالسة أخي
وما عليه هو من واجب إلا الإنصات لينقل تقريره لجهات عمله، فاستجاب مشكوراً. ولكن
في اليوم الثاني، عند دخولنا الجناح في المستشفى، وإذا بجنود مسلحين بالبنادق،
يتقدمهم رجل الأمن المعني، صارخاً بأعلى صوته، أنت يا يعقوب، ممنوع من الزيارة،
فوقفت بعيداً عن الغرفة، وهمت بقية عائلتي بالدخول، إلا أنه صرخ ثانيةً، ممنوع
دخولك المستشفى في ظل إشهار السلاح وتوجيهه ناحيتي، فخرجت.
هذه مواقف عاينتها شخصيّاً وأخرى كثيرة، أسوقها تدليلاً على فحوى الموضوع،
فلإجراءات القبض والتحقيق والحبس، معايير وإجراءات تحفظ للمتهم المسالم، حقوقه في
الكرامة الإنسانية، فلا يُمس جسده ولا عرضه ولا سمعته، ولا يُغلظ له في القول، ولا
يكون رجل الأمن ولا المحقق ولا آمر الحبس، عدواً للمتهم، فيستغل سلطاته للإيذاء أو
تغليظ العقوبة، وهذا ما كان سائداً في المجتمعات القبلية، فيجب أن يسود في أيامنا
هذه، بل بأطور منه، فلا يخشى المتهم من السلطات، فأكثر ما يناله منها هو الإجراء
القانوني المؤسساتي، الذي يحفظ له كرامته الإنسانية، فيكون متقبلاً للعقاب من بعد
اعترافه بذنبه، ولا يفكر في هروب ولا مجابهة لقوى الأمن، لثقته إما بذنبه وإما
براءته، فيكون رجل الأمن محترماً في حيه وبين ناسه، بعكس ما نراه اليوم من تعسف
رجال السلطات، بمعيار أنه الحاكم بأمره، وبسوء أخلاق تجعله منبوذاً في مجتمعه، فبات
رجل الأمن، وخصوصاً رجل المخابرات، الذي لا تمنعه أخلاقه من التبلي والكذب على متهم
بريء، لا لشيء سوى إرضاء رؤسائه طمعاً في التقرب والمكافأة، فكم من بريء تم تعذيبه
نفسياً وجسدياً، وسُجن ظلماً، وللتغطية يتم تهديده بالعود بمثله وأكثر في حال أنه
ذكر الحقيقة لأحد أو اشتكى، فلا تعويض ولا رد اعتبار لمظلوم، ولا عقاب لمن استغل
سلطته في الشر.
وقد دام هذا النهج منذ وعيته في السبعينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا، ولو أن
الأمر قد عولج في حينه، أو في التو من بعد قبول تقرير بسيوني، لما استشرى ليعم
الجميع، ولما شجّعهم على التعدي السافر على الناس في حرمات بيوتهم (الدستور: للبيوت
حرمة، المستقى مبدأ العبارة من آية من القرآن الكريم «يا أيها الذين آمنواَ لا
تَدخلوا بُيُوتًا غير بُيُوتِكُم حتَّى تَستأنسوا وتُسَلِّموا على أَهلِها ذَ?لِكُم
خَيرٌ لَّكُم لَعلَّكُم تَذَكَّرونَ»)، وسرقة وتدمير أملاك الناس الخاصة، في نهج من
التخفي بأقنعة ولباس مدني، لا تعرف به المجرم قاطع الطريق من رجل الأمن، والنهج
نفسه في إجراءات القبض، فكأن تكسير الأبواب، أو تسلق الجدران، هي استئذان أهل
البيت، وما يجرى بعدها من سب وإهانة في الشرف والمعتقد، وربما القسوة والضرب أثناء
الاعتقال، والتعذيب النفسي والجسدي في التوقيف والتحقيق، كل هذه الممارسات، تضع رجل
الأمن ومن ورائه السلطات الحاكمة، محل الازدراء من الناس، وتكراره دون ردعه يمنهجه،
ويوصل المجتمع الى الانفصال ما بين السلطات والشعب، في احتمال نتيجة التحارب التي
تحيل المجتمع إلى شرعة الغاب.
فيا أيتها السلطات، راجعوا سياستكم، ولا تخسروا ما تبقى من حاجة الناس فيكم، بإرضاء
نفر جاهل حقود، فالمتهم بريء، لا يُمس بالسوء مهما صغر، حتى تثبت إدانته، عبر حكم
القضاء من بعد التقاضي في جميع مراحل القضاء، وحكم القاضي أو إجراءات التحقيق لو
أتت حبساً، فإنه لا يمنع المتهم أو الجاني حقه في المأكل والملبس والتواصل بأهله،
ومنع حقوقه كمواطن، في التعلم والبحث والقراءة والاطلاع والعمل والترفيه والرياضة،
والتطبيب والنوم والصحو، وإن ناله أذى من إهانة أو تعذيب، وفرط مؤذيه من العقاب،
فإنما يدعوه إلى كره السلطات، والتي تنسحب على أهله وأفراد علاقاته الاجتماعية
والفكرية، فيغدو المجتمع في انفصال بينكم وبينه.
اللهم إنّي بلّغت، اللهم فاشهد.
ورحم الله رجالاً ونساءً، علمونا عزة النفس، وحفظ الحق والعدل، والمساواة بين
الناس، واحترام الآخر والمختلف، وكفّوا ألسنتنا عن الإيذاء والسب والقذف والتطاول،
وعلّمونا قول الحق عند أجبر الجبابرة.
مرسوم بقانون رقم (15) لسنة 1976 بإصدار قانون العقوبات
قانون
رقم (50) لسنة 2012 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالمرسوم
بقانون رقم (46) لسنة 2002