البحرين-جريدة اخبار الخليج - السبت ٢٩ ديسمبر
٢٠١٢ م، الموافق ١٦ صفر ١٤٣٤ هـ-العدد : ١٢٦٩٩
الدكتور عبدالرحمن
الفاضل يحذر:
إلغاء الإعدام الذي نص عليه قرآننا ذريعة لمزيد من سفك الدماء!
قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل - خطيب جامع نوف النصار
بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس: يقول تعالى: «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ
وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا
تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ..» ويقول تعالى: «وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ...».
وقد بين سبحانه قبل هذه الآيات حكم من لم يحكم بما أنزل, فقال: «وَمَنْ لَمْ
يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ...» وقال: «وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزل اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». وقال: وَمَنْ
لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنزل اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» وبين أن كل حكم
مخالف لحكمه فهو من حكم الجاهلية: «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ
أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ».
فتلك آيات بينات واضحات لا لبس فيهن ولا غموض تأمر وغيرها من الآيات بتحكيم شرع
الله تعالى الذي أمر به في كتابه الكريم.. غير أن أهل العناد يريدون حكم الجاهلية
والهوى والزيغ, ويرفضون حكم الله الذي هو الحق كله, يريدون حكم الخلق القاصرين
الغافلين الجهلة, ويتركون حكم الخالق العادل - جل في علاه- الحكيم العليم الخبير
بكل شيء؛ هؤلاء قوم لا يصدقون, ولا يؤمنون, فإنه لا أحسن من حكمه - سبحانه - عدلاً,
وبياناً, وحكمة, ومصلحة, وخيراً في الدنيا والآخرة ؛ لكن هذا الحكم من الله - تعالى
- لا يقدمه ويفرح به إلا من تمكن الإيمان من قلبه, وأحب حكم الله ورضي بشرعه:
«وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» أيقنوا به وتمسكوا
بأحكامه.
أما المفترون التائهون فإنهم يسايرون أهل الجاهلية في جاهليتهم, ويطاوعونهم فيما
يزيفون؛ إما جهلاً منهم بهم, وإما لمرض في قلوبهم, وعداوة في نفوسهم لهذا الدين؛
لأنه يصدهم عن أطماعهم وشهواتهم وأهوائهم، فهم لهذا لا يقبلون به, ولا يرتضونه,
ويصمونه بالتخلف والرجعية, وبأن أحكامة وتشريعاته لا تتماشى والحضارة الكونية
المعاصرة المنفتحة على كل ما في الحياة من الخير والشر, ومن الفضيله والرذيلة؛ إنها
الحرية المطلقة التي لاتحدها حدود, ولا تمنعها سدود, إنها الحياة التي لا تقبل
التقيد بتشريعات سماوية, ولا ترتضي غير القوانين الوضعية البشرية القاصرة - لتتمرد
عليها وتستبدلها متى شاءت وكيفما شاءت - والتي تفتح المجال واسعاً دونما حدود
لتشريع حل المحرمات والممنوعات, ومن دون تقيد لحريات الناس فيما يأتون أو يتركون!؟.
هكذا يريدون أن تسير الحياة، لا إلتزام فيها بما شرع الله -تعالى- وعليه عمدوا إلى
إقصاء بل وإلغاء تشريعات الله تعالى التي فيها صلاح الإنسان في دينه ودنياه..
واستطاعوا إهدار أحكام الله وشريعته في مختلف قضايانا وسائر شؤوننا!!
أليس هذا هو واقع المسلمين في معظم تشريعاتهم وقوانينهم التي يحتكمون إليها اليوم
في مشاحناتهم, ويختصمون إليها في منازعاتهم؟! لقد ألغت أحكام الجاهلية القصاص أو
أحكام الإعدام لأنه حكم من أحكام الشريعة الاسلامية القاسية كما يزعمون! ألغيت حدود
الله تعالى وتشريعاته، لأنها لا تتناسب والتقدم الحضاري المزيف, ولا تتوافق وحقوق
الإنسان, حتى أصبح البعض يتوارى خجلا عند ذكر أحكام الحدود والقصاص، بل وسائر
الأحكام التي اشتملت عليها الشريعة الإسلامية. وليس أمامنا من خيار إما حكم الله
وإماحكم الجاهلية: «أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ
اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ».
ومن أحكام الله - تعالى- المفروضة تنفيذ حكم القصاص في حق من ارتكب جريمة القتل
المكتملة الأركان, يقول تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى..»
أي فرض عليكم - أيها المؤمنون- أن تقتلوا القاتل بالمقتول إذا وجب عليه القتل
وانتفى المانع. إنه فرض كسائر الفروض إذا ترك بدون وجه حق أثم تاركه, وهذا هو حكم
الله تعالى فيمن قتل. لأن في قتل القاتل والإقتصاص منه حياة لسائرالناس, كما قال
تعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ».
نعم في قتل القاتل حياة لما بقى من الأنفس, فإن الإنسان إذا تيقن أنه سيُقْتلُ لو
قَتَل، كف عن سفك الدماء, وقتل الأحياء, فيعمَ الأمن, وتستقيم حياة الناس, ويستقر
المجتمع ويسعد.
ولا يفهم سِرَ هذا التشريع إلا أصحابُ العقول السليمة, ذووا البصائر النيرة,
والضمائر الحية. أما من تاهت عقولهم, وعميت أبصارهم, وطمست بصائرهم، فإنهم يستنكرون
تطبيق القصاص على القاتل, لأنهم يرونه قسوة وظلما وانتهاكا لحقه الانساني في
الحياة, هكذا يقولونها دون وعي ولاحياء, تقليداً منهم أعمى لقوانين الغرب الضالة،
التي تراعي حقوق الجاني المجرم من دون اهتمام أو اعتبار لحقوق المجني عليه الذي حرم
من الحياة دونما سبب !؟
هذه هي التشريعات الفاسدة للحضارة الهابطة, التي يريدون منا أن نأخذ بها لنتحرر من
رقبة تشريعات الإسلام القاسية كما يزعمون!؟ لا نريد للقاتل أن يُقتل رأفة به ورحمة,
إن أقصى عقوبة تطبق عليه هو أن يحكم بالسجن المؤبد!! ليعيش بعدها في السجن مرفهاً
منعماً, له كامل الحقوق الانسانية كما يقولون!؟ هكذا!؟ فما بال المجني عليه
المقتول؟ وما بال أهله الذين فقدوه؟ أيقضون حياتهم حسرة على من فقدوا؟ وتزداد
حسراتهم ومعاناتهم كلما شاهدوا قاتل ابنهم يتمتع بالحياة من بعد أن فجعهم بمن يحبون
وتركهم في حسرتهم يتألمون؟! أهذه هي العدالة؟! أهذا هو الإنصاف ؟ أهذه هي الحقوق
التي يجب أن ترد إلى أصحابها؟! إن هذا والله لهو الظلم العظيم, والظلمات الطامات في
الدنيا والآخرة!! وإنه للإنحراف الأكيد عن هدى الله تعالى, وهدى رسوله الكريم - صلى
الله عليه وسلم- الذي أمرنا باتباعه والسير على نهجه, يقول تعالى: «أَلَمْ تَرَ إلى
الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ
مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا».
وإنه لمن المؤسف جداً ذلك التبرير المنشور في الصحف المحلية يوم أمس غير المسوغ له
للأحكام الصادرة والذي صرح به الأمين العام للمجلس الأعلى للقضاء بشأن تخفيف عقوبة
الإعدام في جرائم دهس رجال الشرطة, حيث أرجع ذلك التخفيف إلى استخدام محكمة الموضوع
«التفريد القضائي» الذي يستند على شخصية الجاني إضافة إلى الجسامة المادية للفعل.
وعلى ذلك فإن الأحكام الصادرة بتخفيف عقوبة الإعدام عن جرائم دهس رجال الشرطة
والنزول بها إلى عقوبة السجن المؤبد ما هو إلا نوع من «التفريد القضائي» الذي
استخدمت فيه محكمة الموضوع سلطتها في اختيار العقوبة المناسبة على ضوء ظروف الواقعة
وجسامة الفعل وبالنظر إلى شخصية الجاني. وبالإضافة إلى ما تقدم فإن الاتجاهات
الحديثة في العديد من القوانين المقارنة, ومؤتمرات حقوق الإنسان تنادي بإلغاء عقوبة
الإعدام والحد منها. (انتهى كلامه) يفهم من هذا التصرح الرغبة في إلغاء حكم الإعدام
بحق المجرمين الجناة حاضرا ومستقبلا!؟ نقول لقد زدت الطين بلة, وملأت قلوب الناس
حنقاً ونفوسهم كمداً, لماذا كل هذه الإحباطات؟ وإلى ماذا ترمي هذه التصريحات؟ ألكي
نرضي منظمات حقوق المجرمين؟! أم لكي لا يقال عنا دولة متخلفة عن ركب الحضارة
الزائفة التي - كما قلنا- تهتم بحقوق القتلة من دون المجني عليهم، فكما أن دول تلك
الحضارة التائهة ألغت عقوبة الإعدام فنحن على تخبطهم متخبطون ولو أنهم دخلوا جحر ضب
لدخلناه خلفهم مصداقا لقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم-, كل ذلك علهم ينظرون
إلينا بعين الرضا !؟ هكذا بكل يسر وسهوله يريد أن يعلمنا ويقنعنا بأن الاتجاهات
الحديثة في العديد من القوانين ومؤتمرات حقوق الإنسان تنادي بإلغاء عقوبة الإعدام!!
ويريدنا سعادة الأمين العام أن نرضى بهذا القول المجحف المخالف لشرع الله تعالى
أولاً، ولأبسط حقوق الإنسان والعدالة ثانياً!؟ وليس على سعادته في نهاية المطاف،
إلا أن يأمر شعب البحرين بتقديم أسمى التهاني والتبريكات للقتلة المجرمين على سلامة
رقابهم, وعلى العيش الرغيد والحياة الكريمة التي تنتظرهم في سجن تتوافر فيه كل
وسائل الراحة والترفيه, كما يُحكى عنه ويقال, والعهدة في ذلك على الراوي!؟
وليس لنا إلا أن نتقدم بخالص العزاء والمواساة لشعب البحرين في الشهداء - بإذن الله
تعالى- الذين سقطوا بيد الغدر والخيانة وهم يدافعون وينافحون عن الدين والعرض
والوطن!؟
وفي الختام نقول محذرين: بأن إبطال القِصَاص الشرعي, أو إلغاء الإعدام الذي نص عليه
الكتاب العزيز ذريعة لمزيد من سفك الدماء, وإهدار لحق الحياة, ونشر للخوف, وتقويض
للأمن والاستقرار في كل ناحية من نواحي البلاد, وهذه هي النتيجة الحتمية لتعطيل
القصاص؟! ولهذا الشعب يريد تطبيق القصاص!! يقول تعالى: «فَلْيَحْذَرِ ?لَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ».
القانون
وفقا لأخر تعديل - مرسوم بقانون رقم (42) لسنة 2002 بإصدار قانون السلطة القضائية
مرسوم
بقانون رقم (15) لسنة 1976 بإصدار قانون العقوبات
إلغاء
عقوبة الإعدام يخالف الشريعة والدستور
«البحرينية
لحقوق الإنسان» توقّع بيان التحالفات العربية لمناهضة الإعدام
«الأعلى
للقضاء»: تخفيف عقوبة الإعدام نوع من التفريد القضائي