البحرين-جريدة أخبار الخليج- الثلاثاء ١٩ مارس
٢٠١٣ م، الموافق ٧ جمادى الأولى ١٤٣٤ هـ-العدد : ١٢٧٧٩
ليست العبرة بكثرة
القوانين!
لطفي نصر
خلال مجلسه أمس.. قال سمو رئيس الوزراء الكثير عن الوطن وأحواله.. وما آلت إليه
أوضاعه.. لكن من بين ما قاله جملة واحدة لست أعرف لماذا شدني إليها عمق معناها..
ورأيتها تجيء متوافقة مع اسم هذه الزاوية «في الصميم».. كما رأيتها أكبر من أن تكون
مجرد موضوع لمقال.. بل موضوعا لكتاب كامل..!
قال سموه: «في الماضي القريب لم يكن لدينا ربع هذه القوانين التي تشكل هذا الرصيد
التشريعي الهائل.. ورغم ذلك كان كل شيء سالكا.. وكانت الأمور كافة تسير سيرها
الطبيعي»!
نعم يا سمو الرئيس.. كان كل شيء سالكا في الماضي القريب.. ليس بمقتضى ربع هذا
الرصيد التشريعي الهائل الذي تملكه البحرين.. ولا حتى مجرد قانون واحد من هذا
الربع.. فقد كانت كل الأمور تسير سيرها الطبيعي.. بل كنا نعيش مجتمعا مثاليا بغير
كل هذه القوانين.
كنا نعيش بالقيم, والمبادئ القويمة, والأخلاق الحميدة.. وكنا نعيش أكثر، بل ونحتكم
إلى الأعراف السائدة في المجتمع.. وكما تعرفون فالأعراف هي الأقوى والأشد حسما
واحتراما من كل القوانين.
كانت كل الأمور سالكة لأننا كنا نحترم كبارنا.. وكانت مجرد كلمة واحدة ينطقون بها
سيفا على رقابنا.. بل أقوى من حكم أعلى درجات القضاء.. وكان صغارنا يوقرون
كبراءنا.. لا ترد لهم كلمة.. ولا تنتقص لهم هيبة أو مكانة.
في الماضي القريب كنا نعيش الوطن الواحد.. كل من فيه على قلب رجل واحد.. وكان
ولاؤنا للداخل وحده, كما أشرت في حديثك أمس, وكما تمنيت.
كنا نعيش وطنا ليس بين أبنائه أعداء له.. متعتهم في إضرام النار فيه.. وقطع طرقه..
وترويع مواطنيه.. والضرب بنظمه وقوانينه عرض الحائط.. حتى قضائه الناطق بكلمة الله
على الأرض لا تحترم أحكامه وعقوباته.
إننا نعيش زمنا يبيع فيه مواطنون وطنهم.. ويستقوون بخارجه.. ويأتمرون بإمرته..
ويبيعون عليه وطنهم ولو بأبخس الأثمان!
فهل مواطنون أمثال هؤلاء يمكن أن تنفعهم أو تردعهم كل قوانين الدنيا.. لذا فلا
غرابة إذا كنا نعيش في الماضي القريب بشكل أفضل لمجرد امتلاكنا ربع هذه الثروة
التشريعية الهائلة التي تملكها البحرين هذه الأيام!
قال سمو رئيس الوزراء هذه العبارة النافذة إلى عظامنا بينما كان يجلس على يمينه
السيد خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب الذي تمنيت أن يكون قد استوعب هذه
العبارة التي اختزل بها رئيس الوزراء كلاما كثيرا يملأ صفحات وصفحات تجسد الأوضاع
التي آلينا إليها.. وأن يقتنع بما عبرنا عنه كثيرا من قبل من أن البحرين تملك رصيدا
تشريعيا هائلا يمكن أن تسعد به الدنيا كلها لو تم وضعه موضع التطبيق والاحترام..
وأن يقتنع الظهراني أيضا بأنه لا جدوى من إطالة جلسات مجلس النواب بهدف سرعة إنجاز
وإقرار المزيد من التشريعات ولو على حساب صحتنا وصحة الأعضاء والعضوات.. أو أن
يقتنع ولو بالتريث قليلا حتى يسترد الوطن بأكمله قناعته بأننا نعيش دولة القانون
والمؤسسات.. وساعتها سنستعيد حياتنا المثالية التي كنا نعيشها أيام زمان.. ويصبح كل
شيء فيها سالكا، ولو حتى بربع هذه الثروة التشريعية الهائلة!
آلمني كثيرا أن أسمع أن بعض أصحاب العمل سوف يلجأون إلى القضاء للطعن على قانون
العمل الجديد وما جاء فيه من نظام جديد للإجازات يقضي بأحقية عمال وموظفي شركات
القطاع الأهلي في إجازة سنوية قوامها 30 يوم عمل.. هذا القانون الذي عمل على
التقريب بين الحقوق العمالية في الحكومة والقطاع الأهلي, حيث يحصل موظفو وعمال
الحكومة على إجازة سنوية قوامها (35) يوم عمل.
قال هؤلاء القلة القليلة من أصحاب العمل.. إن هذا النظام الجديد سوف يكلفهم الكثير
من الأعباء.. لأنه سوف لن تحتسب أيام الجمع والعطلات الرسمية التي تتخلل الإجازة
السنوية!!
لقد قدم وزير العمل أمس الأول مقالا شاملا يتجاوز في قوته ووضوحه وإنسانيته وعدالته
أروع المذكرات التفسيرية التي تواكب القوانين والتي تكون عادة أقوى وأهم من
القوانين ذاتها.. ويبدو أن هؤلاء القلة القليلة من أصحاب العمل النافرين من العدالة
لم يستوعبوا هذا المقال الذي أراد الوزير من خلاله أن ينطق الحق والعدل.
أهم شيء أن أصحاب العمل النافرين هؤلاء نسوا أن جميع أحكام القضاء التي صدرت من قبل
تقضي بأن إجازة العاملين بالقطاع الخاص هي 30 يوم عمل وليس 30 يوما حسابية.. وأن
اتفاقية العمل الدولية تقضي بأن أيام الإجازات السنوية هي أيام عمل.. وأنهم هم
وحدهم الذين يمنحون عمالهم إجازات سنوية تشتمل على عظامها التي هي عبارة عن أيام
الجمع والعطلات الرسمية.. مما يعد ظلما وعدوانا وضربا بالقانون عرض الحائط, ألم يقل
سمو رئيس الوزراء «في الماضي القريب لم يكن لدينا ربع هذه القوانين التي نملكها
الآن.. وكان كل شيء سالكا.. كما كانت كل الأمور تسير سيرها الطبيعي»!!
مرسوم بقانون رقم (48) لسنة 2010 بإصدار قانون الخدمة المدنية