جريدة أخبار الخليج -
العدد : ١٥٩٧٣ - الخميس ١٦ ديسمبر ٢٠٢١ م، الموافق ١٢ جمادى الاول ١٤٤٣هـ
استقلال قضاء البحرين
إحدى ركائز المشروع الإصلاحي
كتب: إسلام
محفوظ
دشَّن المشروعُ الإصلاحيُّ لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة
عاهل البلاد المفدى مرحلةً جديدةً من تاريخِ البحرين، ليحققَ
به نقلاتٍ نوعية على مختلف الأصعدة وهو ما مكَّن البحرين من
بلوغ مكانة متميزة إقليميًّا ودوليًّا نالت على أثرها إعجاب
العالم واحترامه لما تتمتع به من الحرص على الارتقاء بالإنسان
البحريني وتأمين الحياة الكريمة للمواطنين من خلال تعزيز السلطة
القضائية، ولعل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، الذي أطلق عام
2001م أكد أن نهج احترام حقوق الإنسان هو استراتيجية تتبعها
مملكة البحرين في تعزيز دولة المؤسسات والقانون وفق ثوابت
وطنية راسخة، ولقد انعكس ذلك في ميثاق العمل الوطني ودستور
2002 والتعديلات الدستورية التي أقرتها السلطة التشريعية عام
2012.
وكإحدى ثمار المشروع الإصلاحي لجلالة الملك وما نص عليه ميثاق
العمل الوطني من سيادة القانون واستقلال القضاء والتأكيد أن
سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، واستقلال القضاء وحصانته
ضمانتان أساسيتان لحماية الحقوق والحريات فأُنشئ مجلس أعلى
للقضاء يشرف على حسن سير العمل في المحاكم وفي الأجهزة
المعاونة لها، يُشكَّل من رئيس محكمة التمييز والنائب العام
وعدد لا يقل عن خمسة من أعضاء السلطة القضائية الحاليين أو
السابقين يتم تسميتهم بأمر ملكي لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد
حيث عهد جلالة الملك إلى رئيس محكمة التمييز رئاسة المجلس
الأعلى للقضاء، حيث لا يمنع من كون جلالة الملك رئيس السلطة
القضائية من أن ينيب في رئاسة المجلس الأعلى للقضاء من يراه
من رؤساء الهيئات القضائية الموجودة.
وتزامنا مع الاحتفال بالعيد الوطني الخمسين لمملكة البحرين كان
لـ«أخبار الخليج» هذا اللقاء مع المستشار عبدالله بن حسن
البوعينين نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز
متحدثا عن التطورات التي شهدتها البحرين في المجال القضائي على
مدار السنوات الماضية، ورصده لاهتمام قيادة مملكة البحرين بدعم
عملية التطوير التي تشهدها أعمال القضاء في تحويل التحديات إلى
فرص غير مسبوقة لمواصلة التنمية المستدامة في جميع المجالات
ولا سيما في المجال القضائي.
«فترة التقاضي»
حيث أوضح نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء أن المجلس حرص في
السنوات الماضية على تطوير الأداء القضائي من خلال تقصير أمد
التقاضي وتسريع الفصل في الدعاوى، ولعل أبرز هذه المبادرات
تطوير العمل في المحاكم من خلال تحديد متوسط لعـــمر الدعوى
في كل درجة تقاضي وهي (ستة أشهر) في الوقت الذي أظهرت
الإحصائيات أن الكثير من القضايا تحسم في فترة أقل في الدرجة
القضائية الواحدة، وذلك حسب طبيعة القضية المنظورة ودرجة
تعقيدها، بالإضافة إلى نشر تقارير سنوية لمؤشرات أداء المحاكم.
كما أوضح أن إعادة تنظيم الإجــازة القضـائية لجميع المحـاكم
بدرجاتها والاستمرار في العمل بالمحاكم طوال العام كإحدى
المبادرات التطويرية التي تبناها المجلس الأعلى للقضاء، بحيث
يعمل القضاة طوال العام بكامل طاقاتهم من أجل حسم أكبر قدر
من الدعاوى ومنع تراكمها.
«قضاة المستقبل» وأشار إلى أن مشروع قضاة المستقبل كان
بمثابة الخطوة الأولى لفتح الباب أمام القانونيين الذين توافرت
فيهم الشروط المطلوبة، كما يعد من المشاريع النوعية التي
تتوافق مع الخطة الوطنية للارتقاء بالمنظومة القضائية، ومواكبة
التطورات في المجتمع البحريني، من خلال وضع برنامج تدريبي
قضائي يعتبر نوعيا يستهدف أصحاب القدرات العالية والكفاءة
المتميزة، وبيَّن أن تحديد العدد سيكون رهن مستوى أصحاب
الطلبات المقدمة ومستوى توفر المعايير المطلوبة فيهم كما يهدف
إلى استقطاب الكفاءات القانونية البحرينية وفق معايير محددة
ورفدهم بالمهارات والقدرات التي تؤهلهم للدخول في السلك
القضائي.
«إجراءات قضائية جديدة»
وأكد المستشار عبدالله البوعينين في تصريحه لـ«أخبار الخليج» أن
المنظومة القضائية شهدت اتخاذ العديد من الإجراءات القضائية التي
كان من شأنها تطوير العمل القضائي بشكل عام سواء فيما يتعلق
بإجراءات الدعاوى المدنية والتجارية والدعاوى الجنائية أو
الإيجارية، من خلال استحداث نظام إدارة الدعوى في الدعاوى
المدنية والتجارية بهدف تحقيق العدالة الناجزة، حيث عكست
الإحصائيات التي تنشر سنويا فاعلية مكتب إدارة الدعوى في تسهيل
إجراءات التقاضي وسرعة إنجاز القضايا التجارية، كما شهدت عمليات
تطوير الأحكام المنظمة لأوامرِ الأداء، واستحداث نظام النصاب
الانتهائي للمطالبات البسيطة التي لا تزيد قيمتها عن 1000
دينار وجواز رفع بعض أنواع الدعاوى وإدارتها والفصل فيها
بالوسائل الإلكترونية. كما أن الدعاوى الجنائية لم تكن بمعزل
عن تلك الإجراءات حيث شهدت الدعاوى المدنية تطبيق نظام
العقوبات والتدابير البديلة الذي يهدف إلى مواكبة نظم السياسة
الجنائية المعاصرة التي اتجهت نحو الأخذ بعقوبات بديلة للعقوبات
الأصلية السالبة للحرية، بما يسهم في عملية الإصلاح والتأهيل،
وبما يتناسب مع الظروف الشخصية أو الصحية للجاني ويتلاءم في
ذات الوقت مع طبيعة الجريمة موضوع الدعوى بالإضافة إلى قانون
جديد للعدالة الإصلاحية للأطفال وهو القانون الذي وضع منظومة
متكاملة للتعامل مع الطفل في الحالات التي يمثل فيها سلوكه
أو تشكل فيها ظروفه المحيطة خطرًا عليه، كما تضمن استحداث
تدابير إصلاحية إضافية وبديلة تلائم احتياجات الأطفال لإعادة
تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع من خلال إيجاد البيئة المساندة
لرعاية الأطفال والمساهمة في تقويم سلوكهم من خلال تعزيز
المسؤولية المشتركة مع الأسرة.
وفيما يتعلق بالدعاوى الإيجارية فكان إنشاء دائرة بالمحكمة الكبرى
المدنية تختص بنظر منازعات إيجار العقارات بدلا من اللجنة
وبالتالي حق الطعن بالتمييز في الأحكام الصادرة عنها، بالإضافة
إلى استحداث الوساطة من خلال إصدار قانون الوساطة لتسوية
المنازعات، وقانون جديد للإفلاس وإعادة التنظيم.
«التحول الإلكتروني»
وتطرق المستشار عبدالله البوعينين إلى عملية التحول الإلكتروني في
المجال العدلي والقضائي مؤكدا أن ذلك التحول وفر العديد من
المزايا سواء في توفير الوقت والجهد وتقليل التكاليف، إلى جانب
النهوض بالعمل القضائي والعدلي والقانوني، وكونه أحد معززات
البيئة الاستثمارية الجاذبة للاستثمارات وتلبية المتطلبات العصرية
للقطاع التجاري ومجتمع الأعمال موضحًا أن أتمتة الخدمات العدلية
بدأت قبل انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) وما رافقها من
تباعد اجتماعي والحاجة الماسة إلى تحويل جميع الخدمات بمختلف
القطاعات إلى إلكترونية، ولكن يمكن القول بأن الجائحة ساعدت في
تسريع عملية التحول الإلكتروني.
إن عدد الخطوات التي اتخذت في طريق التحول الإلكتروني والتي
كان منها إنشاء برنامج إلكتروني Dashboard يُمكن من الإشراف
على جميع درجات المحاكم وأنواعها بشكل يومي باعتباره يعرض
مؤشرات أداء كل محكمة، كما يُمكِّن القاضي من إدارة محكمته
بمتابعة القضايا والإشراف عليها، تدشين نشر جميع الأحكام
التجارية بالإضافة إلى أحكام ومبادئ محكمة التمييز، واعتماد
إجراءات قضائية إلكترونية بدلا من الورقية، قائلا «يمكن الآن
رفع الدعوى وسداد رسومها إلكترونيا، الإعلان الإلكتروني عن طريق
SMS – Email، تقديم الطلبات والمذكرات والمستندات إلكترونيا».
وأشار إلى أن المجلس الآن في مرحلة دراسة لاستخدام الذكاء
الاصطناعي في المحاكم، حيث سبق أن تقدم المجلس الأعلى للقضاء
بمبادرة بشأن توظيف الذكاء الاصطناعي في المحاكم في اجتماعات
المحاكم العليا والتمييز بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية
للاستفادة منه في مستقبل المحاكم لتسهيل الإجراءات واختصار الوقت
والجهد وتم عقد مؤتمر الذكاء الاصطناعي في المحاكم والقانون
بمعرض إكسبو الدولي 2020 المنعقد في دبي نظمته الأمانة العامة
لمجلس التعاون لدول الخليج العربية انتهى إلى عدد من التوصيات
وأهمها حث المحاكم بدول مجلس التعاون على العمل على استخدام
الذكاء الاصطناعي في إدارة الدعوى وفي القضايا البسيطة مثل
المخالفات المرورية والضريبية.
«النقل الأثيري»
كما أوضح أن عملية ربط المحاكم الجنائية مع نظام النقل
الأثيري، كان في إطار تطبيق التعديلات الجديدة على قانون
الإجراءات الجنائية وفي الوقت نفسه ضمن عمليات الاستخدام
الإلكتروني الأمثل حيث تم الانتهاء من تفعيل النظام التقني
للنقل الأثيري بين الموقوفين والمحكمة، والذي يوفر انعقاد
الجلسات بشكل إلكتروني بمشاركة القضاة وأعضاء النيابة العامة،
والمحامين، والمتهمين، بما يكفل تحقيق جميع الضمانات القانونية
المقررة التي تكفل حقوق المتهم في مرحلة التحقيق.
واستكمال أتمتة جميع الإجراءات أمام المحاكم المدنية والتجارية
والشرعية، حيث تم تدشين خدمات الدعاوى القضائية، التي ستتيح
رفع الدعاوى وتقديم جميع المذكرات والطلبات خلال كل مراحل
الدعوى، لتشمل بالإضافة إلى أول درجة، مرحلة الاستئناف، وتقديم
الطعون أمام محكمة التمييز، وصولا إلى مرحلة إصدار الأحكام،
وانتهاء بتنفيذ الأحكام القضائية، وذلك بشكل إلكتروني كامل، مع
مراعاة توفر كل الضمانات الدستورية والقانونية المقررة للمحاكمة
العادلة.
«قوانين نوعية»
وأوضح أن السنوات القليلة الماضية شهدت إصدار قوانين جديدة
ونوعية أسهمت بشكل كبير في إحداث تغيير جوهري في تطوير
منظومة العدالة، ولعل أخرها وأبرزها تعديل بعض أحكام قانون
السلطة القضائية الذي أتاح إمكانية استعمال اللغة الإنجليزية
أمام المحاكم في حال اتفاق الأطراف كتابة على ذلك قبل رفع
الدعوى، وهو ما يقلل كثيرًا من الكلفة على الخصوم في ترجمة
الأوراق ويوفر لهم استخدام اللغة القريبة لموضوع نزاعهم ليقدموا
من خلالها دفوعهم.
إضافة إلى تعديل بعض أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية
والتجارية حيث جاء مشروع الخبرة الجديد متماشيًا مع أفضل
الممارسات الدولية في مجال استخدام الخبرة أمام المحاكم، وهو
ما يسهم في تطوير كفاءة التقارير الفنية ورفعة كفاءتها، كما
يفسح المجال أمام الخصوم للاستفادة من الخبرات النوعية والمتخصصة
في حسم النزاعات، مع إلزام الخصوم بتقديم تقارير الخبرة في
مُدد محددة، حيث يتيح نظام الخبرة الجديد تمكين الخصوم من
اللجوء إلى الخبرة لإثبات الدعوى وتقديم تقاريرهم عند رفع
الدعوى أو أثناء سيرها، وهو ما سينعكس على تقليل فترة
التقاضي أمام المحاكم. كما تطرق إلى قانون التنفيذ الجديد في
المواد المدنية والتجارية الذي يُشكل تغييرًا جذريا في النظام
الإجرائي للتنفيذ عبر استحدث نظام قانوني جديد من خلال إيجاد
مسارات متخصصة أكثر سلاسة وفاعلية عبر اختصار الإجراءات وسرعة
مباشرتها ضمن مُدد محددة وآليات ومعايير واضحة، بما يتناسب مع
الطبيعة القانونية للمنفذ ضده. ومن أبرز الجوانب الجديدة لهذا
النظام، تمكين المنفذ ضده من أداء التزاماته قبل اتخاذ
الإجراءات التنفيذية، ووضع نظام جديد للإفصاح عن الأموال، مع
فرض عقوبات جنائية على تهريب الأموال وإخفائها والإخلال بواجب
الإفصاح أو الإنقاص من تقدير قيمتها عمدًا، وذلك انطلاقًا من
الهدف الرئيس المتمثل في تحقيق سرعة استيفاء الدائن لحقوقه.
وطبقًا للقانون، سيتم تطبيق نظام التأشير على السجل الائتماني
للمنفذ ضده في حال عدم كفاية أمواله لسداد الدين، على ألا
يُرفع التأشير إلا في حالة التسوية أو بانقضاء المدة، والذي
يهدف إلى حماية المنفذ ضده من زيادة مديونياته، وكذا حماية
الدائنين المحتملين مستقبلا، مع اعتماد حد أدنى للمبالغ التي
لا يجوز التنفيذ عليها، وعدم الحجز على الدعم الحكومي
والإعانات الاجتماعية، وإلغاء حبس المنفذ ضده أو القبض عليه
واقتصار التنفيذ على أمواله بما يتماشى مع المعايير الدولية
المطبقة في هذا الشأن. كما تم وضع مسارات خاصة للتنفيذ على
الشركات والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى الاستعانة بالقطاع الخاص
من منفذين خاصين ومأمورين تنفيذ وذلك تحت إشراف قضائي،
بالإضافة إلى تعديل بعض أحكام القانون بشأن غرفة البحرين
لتسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية وهو التعديل
الذي يوسع نطاق اختصاص الغرفة ليمتد إلى النزاعات بين الشركات،
والتي تزيد قيمة المطالبة فيها على خمسمائة ألف دينار، كما
يعطي القانون صلاحيات تزيد من فعالية دور القاضي المنتدب لغرفة
البحرين لتسوية النزاع في المرحلة ما بين رفع الدعوى وتشكيل
هيئة تسوية النزاع.
«مبادرات تطويرية»
وأشار نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء في ختام تصريحه لـ«أخبار
الخليج» إلى أن المجلس وتناسقا مع خطة التنمية ورؤية مملكة
البحرين 2030 لمستقبل الأداء القضائي ليكون القضاء في مملكة
البحرين أنموذجًا يُحتذى به في إقليميا وعالميا فقد وضع المجلس
ثلاث مبادرات داعمة لتطوير العمل القضائي ترتكز على تحقيق
ثلاثة أهداف رئيسية، يتمثل الهدف الأول رفع كفاءة الإجراءات
وجودة الأحكام القضائية من خلال استحداث مسارات قضاة متخصصين
وتطوير نظام تقييم الأداء القضائي (التفتيش القضائي) وتطوير
المحاكم بشكل عام بما فيها محاكم التنفيذ على النحو الذي
يؤدي إلى تحقيق سرعة استيفاء الدائن لحقوقه وحماية المدين من
زيادة مديونياته ومحكمة الإفلاس وإعادة التنظيم، وإعادة هندسة
الإجراءات القضائية وتبسيطها.
أما الهدف الثاني يتمثل في تنمية الكفاءات القضائية البحرينية
وتأهيلها المستمر من خلال الاستعانة بالمؤسسات المحلية والعالمية
في التدريب القضائي ووضع إرشادات وتعليمات قضائية توحد تقديرات
المحاكم وإنشاء قاعدة المعلومات القضائية حتى تكون مرجعا للأحكام
والتشريعات بالنسبة إلى القضاة والجمهور من المحامين والباحثين
وغيرهم.
بالإضافة إلى الهدف الثالث المتعلق بتحقيق احتياجات ورضا
المتقاضين من خلال وضع آلية لتنظيم اللقاءات الدورية مع
الشركاء لتطوير الإجراءات والخدمات القضائية وإنشاء نظام الشكاوى
القضائية لتعزيز التواصل مع المجتمع وتحديد معوقات المتقاضين في
المحاكم يعمل على مدار الساعة.
الدستور وفقا لأخر تعديل - دستور مملكة البحرين الصادر بتاريخ 14/ 2/ 2002
المرسوم بقانون وفقا لآخر تعديل - مرسوم بقانون رقم (42) لسنة 2002 بإصدار قانون
السلطة القضائية