جريدة أخبارالخليج العدد :
١٦٠٥٧ - الخميس ١٠ مارس ٢٠٢٢ م، الموافق ٠٧ شعبان ١٤٤٣هـ
أحكام
قضائية صدرت قبل سنوات ولم تنفذ حتى الآن.. كتلة تجار 22: نمتلك بنية قانونية
متطورة تحتاج إلى تفعيل
قانون الإفلاس يتطلب تعديلات ليتناسب مع وضع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
تكاليف قانون الإفلاس تفوق قدرة أغلب الشركات الصغيرة.. و«تمكين» يمكن أن يحل
المشكل
تمثل البيئة القانونية في أي بلد ركنا أساسيا لضمان
ديناميكية وفاعلية جهود تطوير الاستثمارات المحلية من جانب، وجذب
الاستثمارات الأجنبية من جانب آخر. إذ إن توافر منظومة تشريعية
متطورة وأطر قضائية فاعلة يحفز المستثمر الأجنبي على دخول السوق
ويقلل من تردده.
ووفقا لدراسة (جاذبية البلدان العربية للاستثمار الأجنبي) للدكتور سفيان
قعلول، فإن البيئة القانونية تشمل: وجود قانون واضح للاستثمار، سهولة
الإجراءات خاصة في الجهات الحكومية، وجود نظام قضائي مستقل يتمتع
بالقدرة على تنفيذ القوانين والتعاقدات وحل المنازعات بكفاءة عالية،
إلى جانب توافر أطر فاعلة للحوكمة.
منظومة تشريعية
محليا.. لا ننكر أن جهودا جبارة تبذل بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية
وتطوير الفرص أمام نظيرتها المحلية، لكننا اليوم بحاجة إلى أن
نضع بعض الجوانب الأخرى المؤثرة والداعمة لتلك الجهود تحت المجهر.
وتحديدا.. الأطر القانونية والنظم القضائية لما لها من انعكاسات
مباشرة على البيئة الاستثمارية؛ لأن أول ما يبحث عنه المستثمر
هو البيئة الآمنة لاستثماراته. ولا يتوافر الأمان من دون منظومة
تشريعية متطورة ومتكاملة يدعمها نظام قضائي وتنفيذي فاعل.
هذا الموضوع ناقشناه مع كتلة «تجار 22» لمعرفة ما الذي نحتاج
إليه في هذه المرحلة تحديدا لتطوير تلك المنظومة.
ضيوفنا من أعضاء الكتلة وهما: رجل الأعمال النائب أحمد السلوم،
ورجل الأعمال نواف الزياني سلطا الضوء في لقاء حصري مع «أخبار
الخليج» على ثلاثة جوانب أساسية هي: النظام القضائي، قانون الإفلاس،
وقانون الاستثمار.
} ولكن قبل الخوض في هذه التفاصيل، كيف ينظر محدثانا إلى طبيعة
القوانين القائمة ومدى وملاءمتها للمرحلة وللطموحات بجذب الاستثمارات؟
} } يجيبنا أعضاء كتلة تجار 22: عندما ننظر إلى القوانين الموجودة
حاليا نجد أن الكثير منها وضع في السبعينيات والثمانينيات، ولكن
في العقد الأخير تحديدا خضعت أغلب القوانين لإعادة دراسة وتعديل
بما يتوافق مع المرحلة التي نعيشها، ولا سيما مع ما يشهده العالم
من تطورات تكنولوجية ورقمية متسارعة. لذلك كان التركيز في تطوير
القوانين بالبحرين على إيجاد تشريعات شاملة تواكب تلك التطورات من
جانب وتنظم العلاقة بين جميع الأطراف من جانب آخر. وهذا ما يشمل
ملاءمة القوانين للانفتاح الاقتصادي وتوفير الحماية للمستثمرين وتسهيل
الإجراءات.
} هل أفهم من ذلك أننا نمتلك اليوم منظومة تشريعية متكاملة؟
}} تطوير القوانين والتشريعات عملية مستمرة ولا تتوقف. ونحن في البحرين
وبفضل القيادة الرشيدة صرنا نمتلك قوانين قوية ومتطورة، ولكن ربما
ينقصنا جانب التنفيذ لهذه القوانين. فقد طورنا التشريعات لا سيما
فيما يتعلق بالجوانب التجارية، وباتت لدينا قوانين جاذبة ومحاكم
تجارية متخصصة، لكن ربما ما نحتاج إليه في المرحلة القادمة هو
تفعيل تلك القوانين بشكل أكبر.
المحاكم التجارية
} فيما يتعلق بالمحاكم التجارية، ما الإضافة التي قدمتها للقطاع التجاري
بالبحرين؟
} } المحاكم التجارية ووجود قضاة متخصصين في الامور التجارية والمالية،
بل وجود متخصصين في تخصصات مالية دقيقة هو مطلب قديم. والتعديل
الأخير الذي نص على الاستعانة بقضاة لديهم خبرة في الجانب التجاري،
وكذلك اعتماد المرافعات باللغة الإنجليزية، كلها تؤسس لبنية قانونية
قوية تزيد من استعدادات البحرين لاستقبال رؤوس الأموال والاستثمارات
الخارجية، ما ينعكس إيجابا على النمو الاقتصادي. إلى جانب أن أحكام
وقرارات هذه المحاكم تؤسس لمرجعيات قانونية مستقبلية وتدعم استقرار
الأحكام، ما يوفر طمأنينة أكبر للشركات. أضف إلى ذلك أن فتح
غرف التحكيم قد أسهم في التأسيس لبنية مالية وتجارية واقتصادية
جدية، وخاصة أن القضايا التجارية تحتاج إلى السرعة في البت فيها.
ولكننا لا ننكر أننا بحاجة إلى تطوير مستمر لهذه المنظومة. وهذا
ما نركز عليه في الغرفة. فالاستثمارات تبحث عن قوانين مستقلة وقوية
وحامية تضمن الحقوق وتدعم الاستثمار وتوفر السلاسة في التطبيق.
} على الجانب الآخر، ما أهم الملاحظات المتعلقة بساحات القضاء التجاري؟
} } ربما اإشكالية الرئيسية التي يواجهها التجار والمستثمرون هي عامل
السرعة، ليس في البت بالأحكام وإنما في التنفيذ. فعامل السرعة
مهم في موضوع التقاضي؛ لأنه يؤثر حتى على قيمة المبالغ المحكوم
بها. وكلما تأخر البت أو التنفيذ في الأحكام تأثرت نتائج القرار.
والمشكلة التي يواجهها الشارع التجاري أن الأحكام تصدر وفي فترات
منتظمة غالبا لا تتجاوز توقعات التجار أنفسهم، ولكن بعد صدور الحكم
تبدأ مشكلة أخرى وهي التنفيذ، حيث يتأخر التنفيذ في بعض القضايا
مددا طويلة قد تصل إلى سنوات!
وهذه تمثل بالفعل إشكالية كبيرة، ففي حين تحل قضايا تجارية خلال
أشهر، نجد أن تنفيذ قضايا أخرى تتأخر سنوات لأسباب غير معروفة.
وبعض الأحكام التي صدرت منذ عام 2018 لم تنفذ حتى الآن، علما
بأن كل شهر يمر يمثل خسارة للمتضرر، فما بالك بمرور سنوات؟ فالوقت
في التجارة أشبه برأس المال الذي يستنفد بسرعة، بل حتى رأس المال
قد يعوض، ولكن الوقت لا يعوض.
وهذا ما يكسر الثقة في نظام المحاكم ويؤثر ليس على بيئة الاستثمار
فقط وإنما على التمويل الذي يعتبر أساسيا، وخاصة بالنسبة إلى الشركات
الصغيرة والمتوسطة. فمثلا، هناك الكثير من كبار التجار والشركات
يرغب في تمويل شركات أصغر ومنح قروض تمويلية، ويحصل مقابل ذلك
على ضمانات قانونية لحقوقه في ظل منظومة قضائية وقانونية تضمن
استرداد هذه المبالغ سواء بشكل انسيابي أو عند التقاضي. وهنا فإن
تأخر تنفيذ هذه الأحكام مددا طويلة يجعل التاجر الكبير يعزف أو
يتردد في التمويل، وتتقلص الثقة بين المتعاملين في السوق، ما يؤثر
سلبا على فرص نمو واستمرار الشركات الصغرى.
الأمر الآخر أن التأخير لا يقتصر فقط على التنفيذ، بل يمتد حتى
إلى المزادات. فقد يصدر حكم بإحالة قضايا إلى المزاد، ولكن بين
إصدار الحكم وبين تنفيذ المزاد وتسلم الأصول المعروضة للبيع غالبا
ما تكون مدة طويلة بشكل مبالغ، مع بطء كبير في تسليم المبالغ
للجهات المستحقة، وكما أشرنا إلى أن كل تأخير قد يمثل خسارة
مستمرة واستنزافا للمتضرر.
أضف إلى ذلك، أن التواصل مع محاكم التنفيذ يمثل بحد ذاته إشكالية،
فلم تعد أمام المحامين مثلا فرصة كالسابق في طلب مقابلة القاضي
لشرح أمور يصعب شرحها كتابيا. صحيح أن الرقمنة أمر مطلوب، ولكن
هناك قضايا تتطلب تواصلا بشريا.
والإشكالية الرابعة، أنه في حالة الحجر على أموال شخص لأي سبب،
ثم بادر الشخص بحل الإشكالية وتسديد ما عليه فورا، فإن رفع الحجر
يتأخر هو الآخر ما يسبب خسارة مضاعفة على الشخص. وبنفس الوقت،
فإن هذا التأخير يفقد الأشخاص الحافز لحل المشاكل وتسديد الالتزامات.
قانون الإفلاس
ننتقل مع ضيوفنا من كتلة تجار 22 إلى المحور الثاني للحوار وهو
قانون الإفلاس الذي وصفوه بقانون حماية المستثمرين المتعثرين. وهذا
ما يجعلنا نستفهم منهم: ما الحماية التي يوفرها القانون؟
يجيبنا رجلا الأعمال السلوم والزياني: في السابق، كان أمام التاجر
المتعثر خياران فقط، إما أن يبقى وإما أن يعلن إفلاسه. وبشكل
عام، من المتوقع لأي تاجر مهما كان ناجحا أن يمر بظروف أو
انعطافات في تجارته، كما حدث مع جائحة كورونا. لذلك جاء قانون
الإفلاس ليمثل مرحلة وسطى وينظم الوضع والحقوق بين صاحب المشكلة
وبين المطالبين بالحقوق. بمعنى أن قانون الإفلاس يقدم فرصة ثانية
للتاجر ليصحح أوضاعه ويعود بدل الانتهاء تماما في السوق وبدل إلغاء
أهليته تماما للتجارة؛ أي أنه وفر حماية بدل الإفلاس التام بشرط
أن يكون صادقا في استخدام القانون، ولا يعتبره وسيلة للتملص من
حقوق الآخرين أو إلغاء الديون. ومن أجل ذلك يشترط قانون الإفلاس
الكثير من الضمانات مثل الحسابات المالية المدققة ووجود خطة واضحة
للخروج من التعثر وتسديد الديون ودراسة جدوى لتلك الخطة تستند
إلى أفكار واقعية للخروج من التعثر وفق فترة زمنية محددة. وهذا
ما يتطلب الاستعانة بما يعرف بأمين التفليسة وبمدقق قانوني ومدقق
حسابات. لذلك لا ينطبق القانون على كل من يتقدم للاستفادة منه،
بل هو مكسب للجادين فقط.
ولكن عندما نتمعن بالواقع العملي، نجد الشركات الكبيرة استفادت فعلا
من هذا القانون لأنها استطاعت توفير الاشتراطات. وأكثر من 20 شركة
استفادت فعلا من القانون وعادت إلى السوق، ولكن الشركات الصغرى
ربما تواجه مشكلة كبيرة تتمثل في التمويل، لأن اللجوء إلى أمين
التفليسة وإلى المدقق المالي وغيرهما يتطلب موارد مالية قد لا
يستطيع التاجر الصغير توفيرها خاصة مع تعثر تجارته، بل قد يكون
استثماره أقل من كلفة هذه المتطلبات.
ثم إن الخروج من التعثر يتطلب إعادة هيكلة واستعانة باختصاصيين
واستشاريين ودراسة جدوى وغيرها. وهذا قد توفره الشركات الكبيرة أيضا،
ولكن يعجز أغلب أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة عن توفير تكاليفه،
بل إن الاعتماد على خطط غير مدروسة قد يسبب خسائر أكبر مستقبلا،
لذلك فإننا نسعى إلى أن يكون توفير هذا التمويل ضمن برامج صندوق
العمل «تمكين» سواء بمنحة مرتجعة أو غير مرتجعة، إذا ما توافرت
لدى المتعثر اشتراطات الجدية وحسن النية في الحصول على الفرصة
الثانية، وذلك أفضل من إيقاف حساباته البنكية ووصوله إلى القائمة
السوداء في التعاملات.
من هنا فإننا نركز في المرحلة القادمة على أن تستفيد الشركات
الصغيرة من هذا القانون، وأن تكون فعلا قادرة على تحويل الإخفاق
إلى نجاح. فالكثير من التجار بحاجة فقط إلى التمويل للاستفادة
من قانون الإفلاس الذي يعتبر من الإنجازات القانونية المميزة التي
حققتها البحرين، وهو المفتاح إلى الخروج من الأزمات، فما يمكن
التأكيد عليه انه لا توجد شركة أو جهة من صالحها القضاء على
أي تاجر صغير كان أو كبير. فالشخص أيا كانت استثماراته يبقى
زبونا وعميلا للشركات يفيدها ويستفيد منها.
ولكن هناك جانب مهم يجب التركيز عليه أيضا وهو التوعية الكافية
بأهداف قانون الإفلاس من اجل أن يحقق المرجو منه. وهذا ما يتطلب
تدريبا حتى في المحاكم أيضا. فللأسف مازال الكثيرون خاصة من أصحاب
الحقوق لا يعتبرون القانون وسيلة لحل المشكلة والنهوض مرة أخرى.
ولا يعون أنه وضع لصالح الجميع وان الفرصة الثانية مطلوبة. لذلك
حصل بعض الأشخاص خاصة في بداية تطبيق القانون على أحكام بالإحالة
إلى قانون الإفلاس، ولكن المتخاصمين استأنفوا الحكم وحصلوا على حكم
بالإلغاء. وهذا الأمر لا يحقق الأهداف الموضوعة للقانون من جانب،
ويكبد الشخص التزامات أكبر من جانب آخر. وهنا نعود إلى مسألة
الوقت. فكلما بطئت الإجراءات تقلصت فرص إعادة الهيكلة والنهوض مرة
أخرى، وتتزايد الالتزامات على الشخص.
قانون الاستثمار
«قانون الاستثمار» كان المحور الثالث في حوارنا مع عضوي كتلة
تجار 22. وهو قانون تدرسه حاليا لجنة الشؤون المالية والاقتصادية
بمجلس النواب، ويهدف إلى تنظيم عملية الاستثمارات الأجنبية بشكل
أكثر تفصيلًا وتنظيما، فما أهمية مثل هذا القانون.
يجيب ضيوفنا: مع العودة التدريجية للحياة الطبيعية بعد جائحة كورونا،
تعول دول العالم على عودة النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات.
ولكي يتحقق ذلك لا بد أن تمتلك قانونا للاستثمار يحدد الضمانات
والامتيازات لتحفيز الاستثمار المحلي أو الخارجي على العمل والاستثمار
بجرأة، فإذا لم يجد رأس المال بيئة جاذبة توفر الحماية والجدوى
والضمانات، فإنه سيبقى مجرد مراقب، وهذا ما يعني إيقاف السيولة
في السوق والاقتراب من الانكماش الاقتصادي. لذلك لا بد من التحفيز
المستمر لزيادة السيولة. وهذا ما عمدت إليه الحكومة من خلال خطط
الدعم مع الجائحة، إلى وضع أولويات للتعافي الاقتصادي وتحفيز الشركات
والاستثمارات، وبدأت الحكومة بنفسها من خلال مشاريع ضخمة وواعدة.
من هنا، فإن هذه الأهداف تتطلب وجود قانون استثمار متخصص يختلف
عن القانون التجاري. وهذا ما اتجهت إليه الكثير من الدول في
هذه الفترة. فالقانون التجاري يعتبر قانونا عاما، والمستثمر وفقا
للقانون التجاري يحتاج إلى إجراءات أكثر ورجوع إلى جهات عدة من
أجل الحصول على المعلومات والتفاصيل والموافقات، ولكن قانون الاستثمار
يحدد الأنشطة والقطاعات الواعدة، ومتطلبات وفرص كل قطاع ويساعد بشكل
مباشر على النمو الاقتصادي وعلى جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال للقطاعات
الواعدة؛ أي أن قانون الاستثمار يحفز الاستثمار ويعطيه قوة وسرعة
وضمانات وامتيازات تميزه عن أي استثمارات أخرى.
كما أن هذا القانون يدعم جانبا مهما عمدت إليه الحكومة الرشيدة
ضمن برنامج التعافي الاقتصادي وهو تهيئة القوة العاملة البحرينية،
حيث وفرت 10 آلاف فرصة تدريب في خمس قطاعات أساسية. وهذا ما
يعتبر رأس مال إضافيا لأي مستثمر. وبالتالي تكون كل العوامل التحفيزية
موجودة ومتكاملة.
وهذا ما يجعلنا بحاجة إلى سن مثل هذا القانون في أقرب وقت.
ففي السابق كنا نقول إننا بوابة للأسواق المجاورة. ولكننا اليوم،
وأمام امتلاك الدول الشقيقة خططا طموحة وإمكانيات كبيرة، يجب أن
نكون جزءا من تلك البرامج وليس منافسين لها. وهذا القانون سيعزز
من تلك الشراكات ويفتح أبوابا تكاملية مع الدول الشقيقة
.
القانون وفقاً لآخر تعديل قانون رقم (22) لسنة 2018 بشأن إصدار قانون إعادة التنظيم
والإفلاس
قانون رقم (30) لسنة 2012 بالتصديق على اتفاقية بين مملكة البحرين ومملكة أسبانيا
لتشجيع وتبادل حماية
الاستثمارات
قانون رقم (18) لسنة 2016 بشأن شراكات الاستثمار المحدودة
المرسوم وفقاً لآخر تعديل- مرسوم بقانون رقم (30)
لسنة 2009 بشأن غرفة البحرين لتسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية