جريدة أخبار الخليج
العدد : 16634 - الأحد ٠٨ أكتوبر ٢٠٢٣ م، الموافق ٢٣ ربيع الأول ١٤٤٥هـ
مسـتـحـقات
التعطل.. سجال مـسـتـمـر بــيــن «الــعــمــل» والـعـاطـلـيــن
ملفٌ شائك يحمل كثيرا من الاتهامات المتبادلة.
كل طرف يعتبر نفسه مدافعا عن مبادئه وحقوقه، وكل طرف يعتبر
الآخر متجنِّيا عليه.
ملف مستحقات التعطل.. من الملفات المعقدة التي لم تتوقف الشكاوى
بشأنه منذ سنوات. وهي الخدمة التي تقدمها وزارة العمل إلى
الباحث عن عمل.
ففي حين تؤكد الوزارة أنها تسعى جاهدة إلى توفير أكبر عدد
ممكن من الفرص الوظيفية للبحرينيين العاطلين عن العمل بوظائف
ورواتب مجزية، يؤكد كثير من الباحثين عن عمل أن أسلوب
التعامل معهم أشبه بالابتزاز والتصيد والإرغام على وظائف لا
تتناسب مع مؤهلاتهم أو تخصصاتهم، وكان المعيار هو الكم وليس
الكيف.
لا يمكن أن ننكر أن نسبة كبيرة من المسجلين في البرنامج
هدفهم هو الحصول على بدل التعطل ليس إلا، وهم بدورهم يتفننون
في الحصول على رفض صاحب العمل، وإلا ما معنى أن تحضر مرشحة
لوظيفة ومعها أبناؤها الثلاثة للمقابلة بحجة عدم وجود من
يرعاهم في المنزل؟ وما معنى أن يأتي الباحث عن عمل بلباس
غير مناسب ومن دون التحضر للإجابة عن أبسط الأسئلة؟ أو أن
يطلب من رب العمل رفضه صراحة؟!.
ولكن بالمقابل.. قد يتساءل المرشحون الجادون، هل من الإنصاف أن
نتحمل نحن إثم غيرنا؟ هل من العدالة أن يرشح حامل الشهادة
الجامعية لوظيفة مندوب أو حارس، وعليه الرضوخ والقبول أو قطع
بدل التعطل؟!. هل من المعقول أن يرغمونا على أعمال لا نميل
لها ولا تناسب خبراتنا، ثم ينتظرون منا الإبداع والتطور؟
«أخبار الخليج» تعيد اليوم فتح الملف على مصراعيه بتفاصيل
جديدة وقصص غريبة وشهادات واقعية. قابلنا باحثين عن عمل،
وأصحاب شركات، ونواب كانت لهم صولاتهم تحت قبة البرلمان بشأن
ملف التعطل والبرامج الحكومية للتوظيف. مع تأكيد أننا لا نوجه
اتهاما لأي طرف، وإنما نعرض آراء جميع الأطراف بحياد، ونضع
النقاط على الحروف للالتفات إلى بعض الثغرات التي قد تعيق
تحقيق أهداف هذا البرنامج الوطني.
للعاطلين رأي
الباحثون عن عمل كان في جعبتهم كثير مما يشكون منه، والغريب
في الأمر أن هناك الشكوى المتكررة في عدة حالات هي أن سبب
إيقاف بدل التعطل هو عدم الرد، في حين يراهن العاطلون أنهم
لم يتلقوا أي اتصال من أي جهة، وهذا ما ثبت فعلا في بعض
الحالات التي لجأت إلى القضاء.
فيما يلي نستعرض بعض النماذج من شكاوى المواطنين العاطلين عن
العمل والتي وصفوا فيها المعاملة التي يتعرضون لها بأنها
(إذلال) و(تعسف) لا مبرر. وبالطبع، طلب محدثونا عدم نشر
أسمائهم، إلا أن جميع البيانات متاحة لدى المحرر.
تقول المواطنة (ل.ي) وهي تحمل شهادة الثانوية العامة: تسلمت
بدل التعطل عدة أشهر، ثم فوجئت بإغلاق الملف. وعند تواصلي مع
الوزارة أخبروني أنني رفضت أكثر من عرض عمل. أكدت لهم أنني
لم أتلق أي عرض حتى أرفضه. فأجابت الموظفة أن هذا ما هو
مسجل في (السستم) ولا يمكن عمل شيء. وبعد مراجعات وتوسلات تم
فتح الملف. وتسلمت بدل التعطل. ولكن لم تمض فترة إلا وتكرر
السيناريو، ولكن كانت الحجة هذه المرة أنني لم أرد على اتصال
هاتفي.
وتعلق المواطنة: هل يعقل أن يتم إغلاق الملف بحجة أن اتصالا
واحدا لم يتم الرد عليه؟ أليس من الممكن أن يكون المواطن
في تلك اللحظة في ظرف طارئ أو في المستشفى أو في الحمام
أو أي احتمال آخر؟ أليس من الإنصاف معاودة الاتصال مرة ثانية
على الأقل؟ وحتى لو سلمنا جدلا أنني رفضت، ألا ينص القانون
على رفض الوظيفة أكثر من مرة؟ لماذا إذن أوقفوا بدل التعطل
من أول مرة، مع التأكيد أن ذلك لم يحصل أبدا ولم أتلق أي
اتصال. كل ذلك يجعلنا نشعر أن العملية فيها تصيد ليس إلا.
أما (ش.ع) فقد توقف بدل التعطل عنها منذ عامين لأسباب
متعددة. وتشرح ذلك بقولها: «خلال تلك الفترة، كنت أحاول أن
أطور مهاراتي وسجلت في معهد تدريبي، ثم تلقيت اتصالا يبلغني
عن موعد لمقابلة عمل، وكان الموعد في نفس وقت الامتحان
النهائي بالمعهد. فطلبت منهم تأجيل الموعد يوما لأنني إذا لم
أحضر الامتحان سأخسر حتى تكلفة الدورة التي درستها، ولكنهم
رفضوا، وعندما أخبرتهم أنني لا أستطيع الحضور في هذا اليوم
أخبروني أنهم سيغلقون الملف، وهذا ما حصل!.
وبعد مراجعات مطولة وتظلم تم فتحه، ولكن لم تمض مدة إلا
وأغلق مرة أخرى تماما بحجة أنني لم أرد على اتصالهم. فاتصلت
بهم وأخبرتهم أنني لم اأتلق أي اتصال، فقالوا انتهى الأمر
وأغلق الملف. حاولت تقديم تظلم وشكاوى ولكن لم يجد الأمر».
وتتواصل الحكايات، وهذه المرة يرويها مواطن يتابع ملف زوجته
الباحثة عن عمل، يقول: «يوم الجمعة صباحا تلقت زوجتي اتصالا
من رقم غير مسجل، فعاودت الاتصال مباشرة وردت عليها موظفة،
وأخبرتها أنها تلقت مكالمة فائتة من هذا الرقم قبل دقائق.
فسجلت الموظفة اسمها ورقم هاتفها وانتهت المكالمة. ولكن كانت
الصدمة أنه تم إغلاق ملفها في بدل التعطل بحجة عدم الرد
على المكالمات!».
ويعلق الموطن: «ألا يوجد احترام ليوم الإجازة؟ لماذا يتعمدون
الاتصال في يوم الجمعة وتحديدا في الصباح؟ وهل يعقل أن نلتزم
بالحضور والتسجيل أسبوعيا، وبمجرد أن يفوتنا اتصال أشبه بمصيدة
مدبرة يتم إيقاف الملف؟».
وعلى الوتيرة نفسها تقول أم جاسم: «التزمت بالتسجيل والبحث عن
عمل مدة عام كامل، ولم أتخلف عن الموعد الأسبوعي يوما. وفي
مرة واحدة كانت لدينا حالة وفاة وانشغلت في العزاء وفاتني
التسجيل. فتوقف بدل التعطل مباشرة، وتطلب الأمر انتظار شهرين
كاملين حتى تم فتح الملف والبدء من جديد».
وتتواصل القصص التي يرويها العاطلون، ومن ذلك شكوى المواطنة (ش.
م) التي لخصتها بقولها: «خلال تسعة أشهر تم إيقاف بدل
التعطل مرتين، وعندما أتابع وأثبت لهم أنني لم أرفض أي عرض
يتم إعادة بدل التعطل ولكن ليس بأثر رجعي عن الأشهر التي
توقف فيها على الرغم من أن الخطأ ليس مني. ولكن المشكلة أن
بدل التعطل توقف قبل شهرين، وعندما راجعتهم أخبروني أن ذلك
إجراء روتيني وأنه يجب تجديد الطلب كل تسعة أشهر، ويستغرق
الإجراء ثلاثة أشهر كاملة يتوقف خلالها بدل التعطل وبعدها يتم
اتخاذ القرار بإعادته من عدمه!. وتتساءل المواطنة: لا أعلم ما
إذا كان هذا الإجراء قانونيا فعلا أو لا، ولكنه نوع من
التعسف غير المبرر».
ارفضي الوظيفة!
من القصص الغريبة التي وقعت لمواطنة باحثة عن عمل تحمل شهادة
الماجستير من جامعة أوروبية عريقة. قدمت في برنامج الباحثين عن
عمل.
ترشحت لوظيفة شاغرة في معرض الوظائف بموقع الوزارة، وتم الاتصال
بها للمقابلة، وفعلا أنهت المقابلة ووعدوها بالاتصال إذا ما تم
اختيارها. ولم يتم الاتصال الموعود. ولكن بعد شهرين تقريبا
تلقت اتصالا من مسؤول الموارد البشرية الذي قابلها وسألها إذا
ما كانت لا تزال تبحث عن عمل. فأجابته بأنها كذلك. وعندها
أخبرها المتصل أن مديرة الشركة ترغب في مقابلتها وأنه سيحدد
لها موعد خلال يومين. ثم اتصل في اليوم الثاني وقال لها:
أريد مصلحتك، حاولي ألا تحصلي على هذه الوظيفة حتى لو شعرت
أنهم سيقبلونك!، ابحثي عن مكان آخر يكون أفضل لك!.
تقول المواطنة: «لا أعلم سر هذه النصيحة؟ هل كانت لوجه الله
فعلا؟، هل كان يسعى إلى توظيف أحد معارفه وشعر أنني ربما
أنافسه في الوظيفة؟
الغريب أنه لم يتم الاتصال بي بعدها ولا أعلم ما إذا كان
قد سجل أنني رفضت الوظيفة أساسا!».
وتتابع المواطنة: «كنت أسجل في الشواغر بشكل مستمر، ثم تلقيت
عرضا وذهبت للمقابلة، وصدمت أن الوظيفة هي مندوب مبيعات وترويج
لمنتجات غذائية!. وبالطبع رفضت ليس لأن الوظيفة لا تتناسب
وشهاداتي كأخصائية تغذية، وإنما لأن ميثاق الشرف الذي أقسمت
عليه عند التخرج ينص على عدم استغلال المهنة في الترويج
لمنتجات تجارية بحجة أنها منتجات صحية. وتم تسجيلي أنني رفضت
عرضا. وهذا ما خلق عندي تحديا مع الذات وبدأت بالبحث عن
عمل بجهودي الخاصة وحصلت بالفعل على فرصة عمل بتخصصي في
عيادة معروفة».
«خريج جامعي من كلية التربية، عرضوا علي عملا كموظف استقبال
في مكتب كله آسيويين، ثم موظف رد على الاتصالات في مكتب».
بهذه الكلمات اشتكى المواطن (و ع) وضعه، ويفصل ذلك بقوله:
«سجلت في برنامج الباحثين عن عمل في يناير الماضي. وللأمانة
لم يتم إيقافه حتى الآن، ولكن المشكلة أن الوظائف التي يتم
عرضها علي لا تتناسب تماما مع تخصصي كمدرس. فهل يعقل أن
أحمل شهادة جامعية وكل ما أحصل عليه هو موظف استقبال في
مكتب صغير؟ والغريب أن صاحب المكتب أخبرني أنه سيسجل أنه لا
يرغب في توظيفي. ولكن فوجئت بأنه تم تسجيل أنني رفضت العمل.
نموذج آخر تسوقه أم جاسم التي تمتلك خبرة في الحضانة ورياض
الأطفال، تؤكد أنها تتابع الفرص في معرض التوظيف بشكل مستمر،
وتصدم من الوظائف المعروضة مثل أخصائي دعم فني، مدير تسويق،
فني كهربائيات، مصمم ديكور داخلي، مساح كميات، سائق رافعة
وغيرها. ثم يتم إيقاف بدل التعطل بحجة أنها لا تقدم على
وظائف كافية.
نكتفي بقصة أخيرة تحكيها لنا (ف ع) التي تحمل شهادة تخصصية
في (المختبرات الطبية). تقول المواطنة: «سجلت في برنامج
الباحثين عن عمل في شهر يوليو 2021. ورشحت نفسي لعدة وظائف
ضمن تخصصي وخضعت لعدة مقابلات ولكن كان الرفض من جانبهم. وفي
مرة واحدة عرضوا علي وظيفة (مسوّق) فرفضت الوظيفة، وعندها
أغلقوا الملف وأوقفوا بدل التعطل على الرغم من أنها المرة
الأولى التي أرفض فيها!.
وقبلها أغلقوا الملف لسبب آخر، وهو أنني تلقيت اتصالا وقت
الصلاة، وبمجرد انتهائي من الفريضة اتصلت بالرقم ورد علي
الجهاز الآلي، وعرفت أنها بشأن فرصة عمل في مستشفى، فبقيت
اتصل طوال اليوم ولم أتلق جوابا. وفي اليوم الثاني ردت علي
موظفة الموارد البشرية فأخبرتها بالأمر، فقالت نعم اتصلت بالأمس
ولو كنت جادة لرددت من أول مرة. ولا يمكن عمل شيء الآن!.
وفعلا تم إغلاق الملف وإيقاف بدل التعطل. فرفعت تظلما للوزارة
وبقي الأمر أسابيع. ثم اتصلت بالموظفة بالمستشفى مرة أخرى
وأخبرتها أنها كانت سببا في إغلاق ملفي وشرحت لها الوضع.
وبعد فترة تم فتح الملف. قبل أن يعاد إغلاقه للسبب الذي
ذكرته».
غير جادين!
استعرضنا في الأسطر الماضية شكاوى بعض العاطلين مما يعتبرونه
تصيدا من قبل وزارة العمل بهدف إيقاف بدل التعطل. وهنا ننتقل
إلى عدد من أصحاب المؤسسات ومسؤولي الموارد البشرية والتوظيف
في المؤسسات التي تطلب مرشحين للعمل، والذين يتعاملون مباشرة
مع الوزارة ومع الباحثين عن عمل. وما نبحث عنه هو مدى جدية
المشرحين الباحثين عن عمل في الحصول على فرصة حقيقية؟،
بداية رحلتنا كانت مع مسؤول موارد بشرية في إحدى المؤسسات
الصحية والذي فضل عدم ذكر اسمه أو اسم المؤسسة تلافيا لأي
إحراج (جميع البيانات لدى المحررين).
يقول محدثنا: «عمدنا في المؤسسة إلى رفع نسبة البحرنة من
15% إلى 60%. وطلبنا عددا كبيرا من المرشحين للعمل. ولكن
المشكلة التي صادفتنا أن العاطلين الذين ترشحهم الوزارة، نجد
أن 19 مرشحا من أصل 20 لا يريدون العمل، ويأتون للمقابلة
كي يتم رفضهم. بل البعض يطلب منا صراحة أن نرفضه حتى لا
يقف عليه بدل التعطل! وعندما نسألهم لماذا رشحت نفسك لهذه
الوظيفة؟ يكون الجواب أن نظام الوزارة يجبر على الترشح في أي
وظيفة وإلا يقف بدل التعطل عنهم. لذلك نجد الكثير منهم
يترشحون في تخصصات ليست من اختصاصهم، والبعض يؤكد أنه يريد
العمل ولكنه اضطر إلى الترشح في وظائف لا تناسب مؤهلاته
وخبرته حتى لا يتم إغلاق ملفه. والإشكالية أن الكثير منهم
ليس لديه المرونة الكافية للعمل في وظيفة أخرى تختلف عن
تخصصه أو خبراته السابقة حتى لو كنا على استعداد لتدريبه.
ويضيف مسؤول الموارد البشرية: أمام ذلك، نضطر إلى فتح الشواغر
مرة أخرى ونقابل عشرين آخرين، ثم نفتحها مرة أخرى وهكذا.
ولكم أن تتصوروا حجم الجهد والوقت الذي يحتاجه توظيف عدد من
المرشحين.
وهذا الوضع يقود إلى مشكلة أخرى هي أن الجادين الذين يبحثون
عن العمل في فرص وظيفية متاحة أساسا، يتعذر عليهم الترشح بسب
اكتمال العدد المطلوب للمرشحين، وكما ذكرت يكون أغلب المرشحين
غير جادين. وهذا ما يضيع الفرصة أمام من يرغب في العمل.
فلا يمكن أن ننكر أننا نقابل شبابا وفتيات جادين تماما
ويرغبون في تطوير مهاراتهم والعمل في أي مجال.
وأحيانا عندما نجد شخصا مناسبا وجادا وليس من ضمن الترشيحات،
نضطر إلى فتح الشاغر من جديد ونضطر وفقا للقانون إلى إعادة
مقابلة 20 شخصا آخرين حتى نختار الشخص المناسب!.
وبصراحة أصبحت الشركات تعرف الموضوع وتتعامل مع الأمر من منطلق
أن 75% على الأقل من المرشحين غير جادين، وهذا ما يعني
عدم إضاعة الوقت في إجراء المقابلات، ويكتفون بتسجيل أن المرشح
غير مناسب».
«الاستهبال» من أجل الرفض
انتقلنا هذه المرة إلى مسؤول الموارد البشرية في شركة تجارية
(ل.د) تتعامل بشكل مستمر مع المرشحين للوظائف الشاغرة. فهل
يختلف رأيه عن الرأي السابق؟
يقول محدثنا: «باختصار، أكثر من 80% ممن نقابلهم يحضرون
لإقامة الحجة فحسب وليس للمقابلة والتوظف. والبعض (يستهبل) حتى
نرفضه ويستمر صرف بدل التعطل. وفي الواقع لا يتحملون اللوم
وحدهم، فنظام الوزارة يجبرهم على الترشح في أي وظيفة. وهذا
ما يعتبر إضاعة للوقت والجهد سواء للوزارة أو الشركات أو
المرشحين. لذلك يفترض أن تكون هناك مرونة أكبر من قبل
الوزارة بحيث لا يتم إجبار الشخص على الشاغر إذا لم يرغب
فيه ولا يتم تهديده بإغلاق الملف. فأحيانا نطلب محاسبا أو
مصورا أو فني مونتاج. ونفاجأ بأنه لا أحد من المرشحين الذين
أتوا عن طريق الوزارة يمتلك أدنى خبرة في هذه المجالات. بل
يؤكد البعض أنهم سجلوا في الاستمارة وأن هذا النوع من العمل
لا يناسبهم. إلى درجة أننا طلبنا مصورا، وأحد المرشحين أكد
أنه لم يصور من قبل أبدا، ولكنه فوجئ بالاتصال به وترشيحه
للوظيفة!.
وفي إحدى المرات طلبنا مرشحة لوظيفة بائعة بمجمع تجاري، وفوجئنا
بسيدة ترتدي عباءة رأس ومعها ثلاثة أطفال وتقول إنها حامل
على الرغم من أنه لا يبدو عليها الحمل، وحضرت للمقابلة
وتعذرت بأنها لا تملك من يرعى أطفالها وقت المقابلة، فكيف
ستعمل مستقبلا؟
وكثير من الشباب يأتون للمقابلة بملابس غير مناسبة تماما وغير
متهيئين لأي سؤال. فضلا عن أن كثيرا من الترشيحات التي تردنا
يتجاوز العمر فيها 50 عاما!.
والإشكالية هنا أننا عندما نرفض مرشحا، لابد أن نذكر سبب
الرفض. وهنا نجد أننا مقيدون بتسعة أسباب للرفض حددتها الوزارة
مسبقا وأغلبها تقود إلى إغلاق الملف مثل (لم يرد على
الاتصال)، (لم يحضر المقابلة)، عدا خيار واحد هو (لا يمتلك
الخبرة). وبنفس الوقت يطلبون منا أن ننوع ونغير في اختيار
أسباب الرفض حتى يستمر برنامج دعم الموظفين لنا. وبالتالي نشعر
وكأن الهدف هو تقليص الأعداد وإغلاق أكبر قدر من الملفات!.
نعم هناك نماذج مشرفة فعلا وتبحث عن العمل وتكافح من أجل
ذلك. ولكن يبقى عددهم أقل، وتبقى هناك الكثير من الثغرات
التي يجب أن تلتفت إليها الوزارة حتى لا يضطر الشباب إلى
هذا التلاعب».
ويتابع المسؤول في الشركة: «الوزارة متعاونة، ولكن المشكلة في
تفاصيل الترشيحات والآلية. ولعل هذا هو السبب في اقتناعنا بأن
الكفاءات الجيدة لا نحصل عليها عن طريق قوائم الوزارة وإنما
بالجهود الخاصة. بل إن الشخص الكفوء لا يضيع وقته في البحث
عن عمل بهذه الطرق وإنما يركز على سوق العمل ويحصل على
الفرص لأنها موجودة فعلا.
وعندما نجد شخصا جادا ومؤهلا، نطلب منه التسجيل في البرنامج
حتى يمكن أن نقبله عن طريق الوزارة. والمشكلة أنهم لا يقبلون
بهذا الإجراء لو علموا، وبنفس الوقت لا يريدون سماع الحقيقة
منا. بل إنه حتى المسؤول الذي نتعامل معه في الوزارة يتعامل
مع أصحاب الشركات بتعالٍ، فكيف سيكون تعامله مع المرشحين؟».
جيل.. تعلم الكسل!
نواصل رحلتنا بين الشركات التي تستقبل مرشحي الشواغر الوظيفي.
ونقف هذه المرة عند شركة ومصنع معروف يضم عددا كبيرا من
الأقسام والوظائف.
شرحنا لمسؤول إدارة الموارد البشرية موضوعنا وسألناه عن ما إذا
كانوا يواجهون أية إشكاليات مع الباحثين عن عمل عن طريق
الوزارة.
وفي الحقيقة كان رده مباشرا وصادما، حيث قال: «بدل التعطل
خلق لنا جيلا اعتماديا لا يريد العمل، كل همه هو استمرار
الملف مفتوحا والحصول على البدل»!.
ويوضح ذلك بقوله: «في السابق كانت وزارة العمل ترشح الأشخاص،
وغالبا ما كانوا يضطرون إلى قبول الوظيفة حتى لا يغلق الملف.
ولكن تحول الأمر إلى منصة إلكترونية تفرض على الشخص البحث عن
الشواغر في معرض التوظيف. وبعدها يتم التواصل معه من قبل
الوزارة ثم ترسل السيرة الذاتية إلى الشركة التي فتحت الشواغر
ليس كنوع من الترف وإنما لاحتياج حقيقي مع إعطاء البحرينية
أولوية. ولكن ما يحدث هو أننا نفاجأ بإرسال أشخاص لسان حالهم
يقول (أتيت لأن الوزارة ستوقف بدل التعطل). والبعض يسأل: هل
بالإمكان أن ترفضوني أنتم حتى لا يغلقوا ملفي؟. والبعض قد
يعمل يومين أو أسبوع ثم يتوقف لأنه لم يعتد أساسا على
العمل والالتزام. لذلك أعتقد أن الوزارة وعلى الرغم من النوايا
الطيبة والجهود الجبارة التي تبذلها، إلا أنها وبهذا الشكل
ترتكب فيهم إثما من خلال خلق جيل كسول لا يتحمل المسؤولية
ويبحث عن الراحة والراتب العالي بعد أن تخرج في الدراسة وحصل
على بدل التعطل سنوات.
ومن خلال خبرتنا يمكن التأكيد أن الشخص الجاد هو في الغالب
من فصل من عمله السابق. ويمكنني التأكيد أن الجادين تقل
نسبتهم عن 10% ممن نقابلهم. وعندما نقابل 20 شخصا لا نجد
بينهم سوى شخص أو شخصين جادين أو راغبين فعلا بالعمل. وفي
الواقع ليس لدينا الوقت لنجرب الحظ مع المرشحين ونستكشف إذا
كان الشخص مناسبا أم لا. فمن النماذج التي تصلنا أشخاص لم
يعملوا خلال السنوات الثماني الأخيرة سوى شهرين في وظيفتين،
وباقي المدة كانوا في البيت ويحصلون على البدل والتعويضات.
وهذا ما يعيق كل الجهود المبذولة بما فيها جهود البحرنة.
فنحن في الشركة مثلا استطعنا رفع نسبة البحرنة إلى 95%،
ولكن نعاني من هذه الحالات فعلا. ودائما أتساءل: ما مصير هذا
الجيل؟ إذا استمر هذا العزوف وهذا الكسل فسيسطر الأجانب على
الوظائف المميزة ويبقى هؤلاء في الوظائف الدنيا ينقدون ويتذمرون.
في حين نرى موظفين أجانب يتغربون ويعملون في مختلف المناصب
والوظائف والفرص.
وبالمقابل، لا يتحمل الباحثون عن عمل اللوم كاملا، حيث إن
نظام الوزارة يشجعهم على ذلك في كثير من الأحيان. فكيف ترشح
بحرينية محجبة للعمل في فندق مثلا أو تغلق ملفها؟».
مصمم جرافيك
في شركة إنتاج فني، التقينا مديرها (ع.س) الذي نقل لنا
تجربته مع الوزارة ومع الباحثين عن عمل. قال باختصار: طلبت
(مصمم جرافيك) متمرسا وملما بالبرامج المتخصصة بغض النظر عن
شهاداته، لأن المهارة أهم من الشهادة في مجال عملنا. ولكنني
فوجئت أن المرشحين الذي ترسلهم الوزارة بعيدون كل البعد عن
هذا التخصص إلى درجة أنني قابلت شخصا قال إنه حارس أمن،
وأخرى كانت مندوبة مبيعات ولم تعمل مسبقا على الكمبيوتر!.
وعندما تواصلت مع الوزارة أخبروني أن علي أن أحدد الاشتراطات
بدرجة البكالوريوس. ولا أعلم ما الفائدة من اشتراط الشهادة في
وظيفة تتطلب مهارة ودورات خارجية. وحتى الجامعيين الذين تم
ترشيحهم، وجدت أن 90% لا يعلمون حتى على البرامج التي
نستخدمها. في حين أن الشركات في القطاع الخاص غالبا ما تبحث
عن الشخص المؤهل الجاهز للعمل.
عموما بعد بحث طويل وعديد من المقابلات وظفت بحرينية لمست
فيها الجدية وحب التعلم، وأقوم حاليا بتدريبها.
عبدالنبي سلمان: لا يجوز معاقبة الباحث عن عمل بخطيئة غيره!
ممدوح الصالح: برنامج «التعطل» بحاجة إلى تقييم منتظم لمعالجة نقاط الضعف
النائب الأول لرئيس مجلس النواب عبدالنبي سلمان علق على الموضوع
لافتا إلى أنه تحدث كثيرا داخل مجلس النواب بشأن بدل التعطل
وغلق ملفات العاطلين من قبل وزارة العمل، مشيرا إلى أنه طرح
هذه المعلومات على الرأي العام ووزير العمل أكثر من مرة وفي
أكثر من مداخلة وسؤال، وكل ذلك موثق وبالأرقام والأشخاص
والأسماء. وأكد أن الغرض مما يطرحه ليس مجرد إثارة من دون
واقع حقيقي على الأرض، وإنما هو نقلا عن تساؤلات من قبل
العاطلين وأسرهم الذين يشكون كثيرا من غلق الملفات من دون
مبرر ما يتسبب في مشاكل كثيرة وتعطيل مسيرة هؤلاء العاطلين
الباحثين عن وظائف.
وأضاف أنه قد يكون هناك عاطلون غير جادين في البحث عن فرص
توظيف ولكن الكثير منهم جادون ويجب ألا يعامل الباحث عن
العمل الجاد بخطيئة غير الجادين، وفي نفس الوقت فإن قانون
التعطل يجب أن يقوم على أساس معلومات وافية عن العاطلين
وإعطائهم الفرصة أكثر من مرة، خاصة أن الكثير من العاطلين
يشكون كثيرا من أنهم لا يحصلون على فرص كافية بل منهم من
يعطى فرصة واحدة ويغلق ملفه بعدها. ومنهم من يغلق ملفه
باعتبار أنهم غير جادين نظرا لأنهم لم يجيبوا على اتصال
الوزارة مثلا أو الاتصال في أيام السبت وهو عطلة. وغالبا ما
يكون الأشخاص خارج منازلهم في أيام العطلة، وأحيانا لا يوجدون
في البحرين.
وأوضح سلمان أنه أحيانا يكون هناك تعمد من قبل بعض الموظفين
في الوزارة وتعسف في مسألة عرض الوظائف غير الملائمة على
تخصصات وشهادات الباحثين عن عمل أو أقل من إمكانياتهم العلمية
ومن ثم يتم أيضا غلق ملفهم باعتبار أن هذا غير جدي وعدم
رغبة في العمل من قبل العاطلين.
وأشار إلى ضرورة النظر إلى ملف العاطلين من منطلق وطني
اجتماعي ومعيشي وأمني واقتصادي، معتبرا أن وزارة العمل تستخف
بملفات بعض العاطلين وتلغيها، وأنه تلقى اتصالات من موظفين
داخل الوزارة أكدوا له أنه يتم إنهاء ملفات العاطلين في أيام
العطلات، وفي مقابل ذلك يتم إعطاء هؤلاء الموظفين «أوفر
تايم».
وقال: «لدي أسماء هؤلاء الموظفين الذين تواصلوا معي شعورا
منهم بأن ما يقومون به هو عمل غير إنساني، ولكنهم يقومون
بذلك بطلب من رئيس القسم، ويتم إخراج العاطلين ووقف البدل
عنهم من دون أي مبررات موضوعية.
توصيات
رئيس لجنة الخدمات النيابية النائب ممدوح الصالح قدم عدة توصيات
تتعلق ببدل التعطل، مؤكدا أن هذه التوصيات تضمن تقديم الدعم
المالي بشكل أكثر فعالية وعدالة للأفراد. ومن ذلك ضرورة إجراء
تقييم شامل للشروط الحالية للحصول على البدل وفحص مدى ملاءمتها
وعدالتها والحاجة الحقيقية للدعم المالي وتأثيرها في الأفراد
المستهدفين.
وطالب الصالح بتوسيع نطاق الاستحقاق وتحسين شروطه ليشمل حالات
إضافية ومتنوعة، مشيرا إلى أنه يتعين الأخذ في الاعتبار الظروف
المختلفة التي يمكن أن يواجهها الأفراد وتقديم الدعم الأكبر
عدد ممكن من الأشخاص الذين يحتاجون إليه.
وأضاف إنه ينبغي تحديد وإزالة أية حواجز تعيق الأفراد من
الحصول على التعويض المالي بسبب قيود غير عادلة أو إجراءات
معقدة، مع تبسيط عملية التقديم وتقليل البيروقراطية لتسهيل
الوصول إلى الدعم.
وأشار الصالح إلى أنه يجب توفير معلومات واضحة وشاملة حول
شروط الاستحقاق وعملية التقديم للبرنامج، ويمكن تعزيز التوعية من
خلال حملات إعلامية والتعاون مع المؤسسات ذات الصلة والمجتمع
المحلي.
كما ينبغي أن يتم إشراك المجتمع المحلي والمستفيدين المحتملين
في عملية تطوير وتحسين برنامج التعطل، ويمكن استضافة جلسات
تشاور واستطلاعات الرأي لجمع الآراء والمقترحات وضمان تلبية
احتياجات الأفراد بشكل أفضل.
وأوصى أيضا بضرورة إجراء تقييمات منتظمة لبرنامج التعطل للتحقق
من فعاليته وتحديد أي نقاط ضعف أو تحسينات محتملة، ويمكن
استخدام هذه التقييمات لإدخال التعديلات اللازمة وتحسين شروط
الاستحقاق.
كما استعرض العديد من الأمثلة على برامج التعطل الناجحة في
بعض الدول التي يمكن لوزارة العمل الاستفادة منها مثل برنامج
التأمين ضد التعطل في كندا الذي يعد واحدًا من أبرز البرامج
في هذا المجال، ويقدم تعويضًا ماليًا للأفراد الذين يعانون من
تعطل مؤقت عن العمل بسبب فقدان الوظيفة أو الأسباب الصحية أو
الأسرية العاجلة، ويغطي أيضًا برامج إعانة للتأهيل المهني
والتدريب. وكذلك الحال بالنسبة إلى برامج التعطل في السويد
وألمانيا والنرويج وغيرها.
وأضاف: قانون التعطل الذي ينص على التعويض تسعة شهور للمفصول
عن العمل ومرة واحدة فقط بواقع 50 % من راتبه وألا يتجاوز
1000 دينار يحتاج إلى تعديل لأنه في بعض الأحيان من يتعرض
للفصل يأخذ وقتا لحين حصوله على وظيفة تناسب خبرته وإمكانياته
وفي بعض الأحيان يستغرق هذا الأمر أكثر من 9 شهور، وبالتالي
يقع المفصول تعسفيا في الالتزامات المالية والقروض ودائرة العوز
والحاجة أو الدخول في إشكالات مالية.
وأكد النائب الصالح أن مجلس النواب طالب أكثر من مرة بضرورة
حصر بعض المهن على البحرينيين مما سينتج عنه تقليص في أعداد
البطالة مما يعود ذلك بصورة إيجابية على مخصصات بدل التعطل،
كما أن ضبط عملية مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل
سيقلل من نسب البطالة وبالتالي نحتاج إلى مزيد من التنسيق
بين الجامعات حتى لا نضطر إلى إجبار شركات القطاع الخاص على
توظيف بحرينيين في مجالات غير تخصصهم أو نصرف على تدريبهم أو
دعم أجورهم.
القانون وفقاً لآخر تعديل- قانون رقم (36) لسنة 2012 بإصدار قانون
العمل في القطاع
الأهلي
القانون وفقا لاخر تعديل - قانون رقم (57) لسنة 2006 بإنشاء صندوق
العمل
قرار وزارة العمل رقم (54) لسنة 2022 بإعادة تشكيل لجنة تنسيقية مشتركة لمتابعة
تنفيذ أحكام قانون التأمين ضد
التعطل