الوسط - الأحد 4 نوفمبر 2007م - العدد 1885
تقرير ديـوان الرقابة المالية
تقرير إداري أكثر منه تقريراً مالياُ
الوسط - جميل المحاري
وصف عددٌ من المختصين تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2006 بأنه تقرير إداري أكثر
منه تقريراً مالياً، وقالوا إنه كان يبحث عن المخالفات في تطبيق النظم ويكشف الضعف
في أنظمة الرقابة الداخلية واتباع الإجراءات، ولكنه لم يتحدث عن حالات الفساد في وزارات
الدولة والمؤسسات الحكومية.
واتفق المنتدون في الندوة التي نظمتها «الوسط» على أن تقرير «الرقابة المالية» مهنيته
عالية، ولكنهم قالوا: «إن التقرير هو النصف الذي نحتاج إليه ولكن النصف الآخر هو الغائب،
ففي جميع هذه المخالفات لا توجد أية قضية فساد واحدة».
وأضافوا «من الملاحظ أنه منذ تقرير العام 2003 تحاشى ديوان الرقابة المالية ذكر الأسماء
إلا ما ندر فلا توجد حتى إشارات لمناصب الأشخاص باستثناء ما ورد في تقرير العام 2005
من الحديث عن الرئيس التنفيذي لشركة بابكو، وهذا يطرح سؤالاً هو: هل الديوان جاد فعلاً
في محاربة الفساد؟».
وقالوا إن التقرير «كذب» بشأن ما أورده عن موازنة الدولة عندما تجاهل المصروفات السرية،
وعندما أكد أن «الحساب الختامي الموحد للدولة يظهر بصورة عادلة من كل الجوانب الجوهرية،
إيرادات الدولة ومصروفاتها للسنة المالية 2006» وكأن الديوان لا يعلم أن هناك مصروفاتٍ
سريةً ولذلك فهو كذب في هذا الرأي.
كما أكدوا تلاعب الدولة - بشكل متعمد - بعائدات النفط المرصودة في الموازنة وأن إيرادات
شركة بابكو لا تُظهِر الصورة الحقيقية لنتائج أعمال المصفاة؛ ما يعني أن كلفة إنتاج
برميل النفط من حقل البحرين تحتسب على أساس دولار واحد في الوقت الذي تحتسب فيه كلفة
شراء النفط السعودي الذي يكرر في البحرين بحسب أسعار السوق العالمية. وقالوا: «إن ابسط
المفاهيم المحاسبية التي لا تحتاج الى الخبراء توضح أن هناك تلاعباً في الموضوع وذلك
ما وجده النواب السابقون عندما ناقشوا الموزانة العامة للدولة حين اكتشفوا أن هناك
أكثر من 550 مليوناً كانت مغيبة بسبب ذلك كما حدث الأمر نفسه أيضاً في موازنة 2007
و2008»، وقالوا: «إن الحكومة تكرر الخطأ نفسه بتعمد».
وفيما يلي نص حوار ندوة ديوان الرقابة المالية، التي جمعت عضو اللجنة المالية والاقتصادية
في مجلس النواب النائب جاسم حسين، الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)
إبراهيم شريف، والنائب السابق عبدالنبي سلمان.
* ما تقويمكم العام لتقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2006؟ وهل ترون أن هذا التقرير
كان ضعيفاً مقارنةً بالتقارير السابقة كما أشار عدد من المختصين؟
- جاسم حسين: إن التقرير جيد جداً من الناحية المهنية ولكن التقرير السابق للعام 2005
كان أكثر جرأةً من هذا التقرير؛ إذ أورد تفاصيلَ دقيقةً. وأرى أن ديوان الرقابة المالية
مازال خجولاً في طرح بعض القضايا فمثلاً لا يذكر إلا تفاصيلَ صغيرةً متعلقةً بوزارة
الدفاع عن المصاريف المتكررة.
أعتقد أن التقرير لهذا العام كان تقريراً إدارياً أكثر منه تقريراً مالياً وكأنه صادر
عن ديوان الرقابة الإدارية فهو يركز على الإجراءات بدلا من التركيز على الفساد المالي،
كما أن الإشكال الأساسي في التقرير هو انه عندما يتحدث عن تجاوز محدود جدا في وزارة
الدفاع فإن ما يخشى من ذلك أن يفهم أن هذا التجوز البسيط هو الذي يحدث في هذه الوزارة
ولا توجد أي تجاوزات أخرى ولذلك أرى أن التقرير لو لم يتحدث عن وزارة الدفاع أصلا لكان
ذلك أفضل من أن يتحدث عن شيء محدود وبسيط؛ ما قد يوصل رسالة خاطئة. اعتقد أن الفساد
في البحرين عموماً هو السبب لمختلف القضايا والتحديات التي تواجهنا فالفساد هو السبب
في قضية البطالة والتمييز والأجور المتدنية وما الى ذلك.
الأمر الآخر هو أننا في الوقت الحاضر لا نمتلك رفاهية محاربة الفساد بشكل بطيء ولذلك
يجب علينا تسريع الخطوات فالفساد مستشرٍ في جميع الوزارات وجميع الإدارات ومختلف المؤسسات
الرسمية وإذا تأخرنا أكثر من ذلك فقد يفوتنا القطار ولن نستطيع أن نحاصر مشكلاتنا بعد
ذلك.
النصف المفقود
* الأخ إبراهيم هل تتفق ما طرحه جاسم حسين في أن التقرير يمكن أن يكون تقريراً إدارياً
أكثر منه تقريراً مالياً؟
- إبراهيم شريف: طبعاً، وذلك بمعنى أن التقرير كان يبحث عن المخالفات في تطبيق النظم
ولذلك نرى أن التقرير لم يتحدث عن اختلاس من أي كان مع أن المادة (11) من قانون الرقابة
المالية تتكلم عن حق الديوان في تحريك دعوى جنائية امام النيابة العامة وعلى رغم ذلك
فإننا في السنوات الماضية لم نسمع عن أن الديوان اتخذ هذه الخطوة.
التقرير عموماً يكشف الضعف في أنظمة الرقابة الداخلية واتباع الأنظمة والإجراءات، ففي
الكثير من الوزارات تتكرر مسألة ضعف أنظمة الرقابة الداخلية لثلاث سنوات متتالية كالمؤسسة
العامة للشباب والرياضة ووزارة الصحة. كما أن هناك مؤسسات مهمة في الدولة لا يوجد لديها
جهاز رقابة داخلية من بينها وزارة الداخلية التي تعتبر رابع اكبر وزارة من حيث حجم
المصروفات ووزارة شئون البلديات والزراعة التي لا يوجد لديها مدققون داخليون أيضاً.
إن التقرير من الجانب المهني جيد ويكشف مواطن الخطأ، كما انه يقول لنا من دون أن يفصح
عن وجود بيئة فساد وذلك ما يمكن أن يستنتجه أي ملم بأمور المحاسبة، ففي ظل ضعف الرقابة
ووجود مخالفات بهذا الشكل متكررة بما فيها وزارة المالية التي من المفترض أن تراقب
باقي الوزارات فيما يخص المخالفات فإن ذلك يؤكد إمكان وجود مواطن فساد لم يكشف عنها
فالتقرير كشف ما يسمى «المخالفات» ولم يكشف عن أن أحداً استغل منصبه لأغراض شخصية.
إن التقرير هو النصف الذي نحتاج إليه ولكن النصف الآخر هو الغائب ففي جميع هذه المخالفات،
أين قضايا الفساد؟ كما أن هناك قضايا ناقصة في هذا التقرير إذ لم يورد التقرير أي حديث
عن إحدى أهم الشركات الموجودة في البحرين في الوقت الحالي وهي شركة «ممتلكات» على رغم
مرور سنتين على إنشائها فلا يوجد ما يشير الى موازنة هذه الشركة كما لا يعرف أحد حتى
الآن إن كانت «درة البحرين» تقع ضمن مظلة «ممتلكات» أو لا.
من الأمور الناقصة أيضا عدم وجود أي رقابة على الديوان الملكي في جميع التقارير السابقة
لديوان الرقابة، فبحسب ما أورده وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة لرئيس
مجلس النواب خليفة الظهراني فإن مصروفات الديوان الملكي بلغت 109 ملايين دينار في 2005،
فأين الرقابة على الديوان الملكي على رغم أن قانون الرقابة المالية لا يستثني الديوان
الملكي من الرقابة إذ إن الاستثناء الموجود في القانون هو لوزارة الدفاع ووزارة الداخلية
والحرس الوطني لتعلقها بالمصروفات السرية، حتى الأمن العام لا يستثنيه القانون إذ تشكّل
بعد إصدار القانون ولذلك فإني أسأل ديوان الرقابة المالية: لماذا تم استثناء الأمن
العام في هذا التقرير؟
* عبدالنبي سلمان، أين يا ترى أوجه القصور في التقرير الحالي؟ وهل تتفق مع الإخوة في
أن التقرير الحالي أصبح أضعف بالمقارنة بالتقارير السابقة؟
- عبدالنبي سلمان: على رغم أنه لم يتسنَ لي الاطلاع بشكل متكامل على التقرير حتى الآن
ولكن عموماً من خلال ما تم عرضه في الصحافة اعتقد أن التقرير ليس ضعيفا بالمعنى الذي
أشيع عنه فالتقرير به من المهنية والجهد ما يمكن أن نشكر ديوان الرقابة المالية عليه
كما أن الديوان احتوى الكثير من الأبواب التي يتطرق إليها لأول مرة كما أن التقرير
دخل معظم وزارة الدولة ليس جميعها طبعا وكنا نتمنى أن يكون التقرير اشمل من ناحية تغطية
مؤسسات الدولة وشركاتها مثل «طيران الخليج» و «بابكو» و «ألبا»؛ إذ أعتقد بأن التقرير
لم يغطِ بشكل كامل جميع دوائر هذه الشركات، كما اعتقد أن التقرير بالقدر المتاح لديوان
الرقابة جيد نسبياً على رغم أن هناك الكثير من أوجه القصور التي كانت قاصرةً وستظل
كذلك وهي تحديداً وزارتا الدفاع والداخلية فلاتزال هذه الهواجس تحيط بالقائمين على
التقرير وأعتقد بأن الدوافع في ذلك هي كما اعتدنا أن نسمع أن هذه الجهات أمنية ولا
يمكن دخول جميع التفاصيل التي تحيط بها.
كان من الممكن أن يكون التقرير أكثر عمقاً فيما يتصل بقضايا الفساد وملامستها من ناحية
أكثر من فنية على رغم أننا لا نطلب من التقرير أن يدخل في الجانب السياسي، فهو متروك
للسياسيين، ولكن لا يخفى على احد ما يدور في شركات طيران الخليج وبابكو وألبا إذ اعتقد
أن ما عرض في وسائل الإعلام فاق ما عرضه التقرير وكان بإمكان التقرير أن يكون أكثر
توسعا فيما يخص هذه الشركات.
اختلاسات «ألبا» و «أسري» و «طيران الخليج»
ومازال الكلام متتابعاً على لسان عبدالنبي سلمان: الأمر الملاحظ أنه على رغم الانتقادات
التي دارت حول هذه الشركات في الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب فإن التقرير قد أنصف
لحد ما جهتين هما شركتا ألبا وبابكو كما أنصف أيضا المناولة التي حدثت بحيث إن الكثير
من التوصيات التي صدرت في تقارير الحساب الختامي وتقارير الرقابة المالية التي نوقشت
في الفصل التشريعي الأول لمجلس النواب تم تصحيحها في هاتين الشركتين وهذا يعني أننا
مقتنعون بأن هذا ليس كل ما يجري في هذه الشركات فيكفي أن هناك أكثر من 120 مليون دينار
غير محصلة من عملاء «ألبا» وأعتقد أن ذلك خلل إداري فادح إذ لا يمكن لشركة يعول عليها
كثيراً في دعم الاقتصاد الوطني أن تهمل تحصيل هذا المبلغ الضخم لأسباب غير معروفة،
والتقرير لم يدخل في هذه التفاصيل ولم يذكر لماذا لم يتم تحصيلها.
* لماذا لم يتطرق التقرير أو يكشف التلاعب والاختلاسات التي حدثت في شركات ألبا وطيران
الخليج وأسري؟
- جاسم حسين: من الملاحظ أنه منذ تقرير العام 2003 تحاشى ديوان الرقابة المالية ذكر
الأسماء إلا ما ندر فلا توجد حتى إشارات لمناصب الأشخاص باستثناء ما ورد في تقرير 2005
من الحديث عن الرئيس التنفيذي لشركة بابكو وهذا يطرح سؤالاً هو: هل الديوان جاد فعلاً
في محاربة الفساد؟
المشكلة الرئيسية هي أن ديوان الرقابة غير مسئول امام البرلمان والصواب هو أن المجلس
التشريعي هو من يجب أن يدير ديوان الرقابة فيما يتصل بمسائل الرقابة والفساد؛ ذلك أن
ممثلي الشعب هم الأقرب لهذه القضايا وأظن إن استمر الوضع على ما هو عليه فإن الديوان
سيستمر في إصدار تقاريرَ جيدة من الناحية المهنية ولكنها لا تخدم عملية محاربة الفساد
إذ يمكن تسمية ما هو موجود في البحرين الآن «ثقافة الفساد»؛ فالفساد مستشرٍ في مختلف
الوزارات والإدارات والمؤسسات الحكومية.
أحب أن اذكر نقطة صغيرة وهي أن التقرير أشار لأول مرة الى شركة بناغاز على أنها شركة
حكومية تمتلك الحكومة 75 في المئة من أسهمها وذلك أمر جيد.
* التقرير الحالي أشار إلى أن معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية استجابت بشكل جيد لملاحظات
التقارير السابقة، فهل ذلك هو السبب في خلو التقرير من ملاحظات وأخطاء كبيرة؟
- إبراهيم شريف: أعتقد أن وجود الرقابة والتفتيش عادة ما يساعد على تنفيذ التوصيات
وتفادي الأخطاء كما أن وجود مدققين داخلين يساعد على ذلك إذ توجد أخطاء إدارية يمكن
تحجيمها بسبب أن لا وجود لتضحيات شخصية فيها.
إن التقارير السابقة لم تكشف عن حالات فساد فذلك يتطلب طريقة أخرى من التدقيق وأعتقد
أننا لم نصل بعد الى هذه المرحلة. لقد طُرِح موضوع قانون الذمة المالية أو «من أين
لك هذا؟» فنحن بحاجة إلى معرفة ملكيات كبار المسئولين ومتوسطيهم في البلد،ويجب عليهم
تقديم تقرير سنوي عن هذه الملكيات بحيث يبحث ديوان الرقابة المالية ويقارن هذه الملكيات
بملكيات السنة الماضية ويتأكد من المصادر الخاصة بملكية الأراضي والأسهم والعقارات
والأموال وحركتها وبالتالي ستتكون لدينا قاعدة للمعلومات، ففي غالبية دول العالم هناك
جهاز ضريبي توجد فيه هذه المعلومات، إلا أننا مع الأسف لا يوجد لدينا مثل ذلك وبالتالي
لا يمكن أن نتعرف إلى الثروة غير المشروعة التي قد تأتي من خلال عمولة المناقصات، إذ
يمكن التقيد بقانون المناقصات تماما وأثناء عملية التنفيذ تتيح للمقاول أن يقوم بتنفيذ
المشروع بشروط اقل من الشروط الموجودة في العقد من خلال تواطؤ الاستشاريين والمقاول
والإداريين أو من خلال قرار يأتي من الأعلى إذ يدعي المقاول القيام بأعمال إضافية بمبلغ
عدة ملايين «وأنا سمعت عن حالات من هذا النوع جرت في البحرين» فطرق الاحتيال كثيرة،
ومنها ما لا يمكن الكشف عنه عن طريق الورق وإنما بعملية التفتيش وما يتحدث عنه قانون
الرقابة المالية أن لديوان الرقابة المالية الحق في القيام بعمليات التفتيش واستدعاء
الأشخاص للبحث في هذه الأمور ولكن الديوان لم يستطع القيام بهذه العملية فمن الواضح
ان الديوان محكوم بسياج سياسي وأعتقد أن الديوان مستقل في الأمور المتروك له العمل
فيها فقط وفي غير ذلك هو ديوان غير مستقل وبالتالي لا يستطيع البحث في موازنة الديوان
الملكي.
استقلالية الديوان
مثال آخر على عدم استقلالية الديوان هو أن وزارة المالية تقدم الحساب الختامي للدولة
وهذا الحساب يبيّن الإيرادات والمصروفات ومصروفات المشروعات كما يبيّن الفائض. وكل
ما يحدث بعد إيراد الفائض أن الديوان أو أي نائب سواء في هذا المجلس أو المجلس السابق
لا يعرف أين يذهب هذا الفائض. النواب السابقون طلبوا حساب الاحتياطيات النقدية والحركة
في هذه الاحتياطيات فلم تستجب الحكومة لذلك والسبب انه بعد هذا الفائض والمقدر بـ281
مليون دينار في العام 2006 و382 مليوناً في العام 2005 هو ما يحدث من خلال المصاريف
السرية التي يتم التصرف في الفائض فيها وبالتالي الحكومة لا تريد الكشف عن حجم الاحتياطي.
إن ما جاء في التقرير عن موازنة الدولة «في رأينا أن الحساب الختامي الموحد للدولة
يظهر بصورة عادلة من كل الجوانب الجوهرية، إيرادات الدولة ومصروفاتها للسنة المالية
2006» يظهر كل الجوانب الجوهرية لمصروفات الدولة! وكأن الديوان لا يعلم أن هناك مصروفات
تحت هذا الخط (مشيراً إلى الخط الذي يوضح مصروفات الدولة في التقرير).
أقول إن ديوان الرقابة المالية كذب في هذا الرأي أو ليقل لنا الديوان إنه «في حدود
ما هو معروض عليّ» ولذلك أقول إن الديوان قام بمجهود مهني كبير ولكن في هذا الموضوع
قام بعمل مهني هزيل، وفي أي مكان في العالم استطيع أن آخذ الديوان - لو كان جهازاً
أو شركة تدقيق - الى المحاكم؛ لأنه لم يقم بتدقيق المصروفات لأن هناك مصروفات أخرى
تحت هذا الخط الأخير لم تذكر عنها شيء.
عادةً الموازنات لا تأتي بهذا الشكل فموازنات الشركات بها معلومات أكثر من ذلك بعشر
مرات، الحساب الختامي يجب أن يتناول الإيرادات والمصروفات وما تملكه الدولة والديون
والمطلوبات التي على الدولة والحركة في احتياطياتها والتدفق النقدي وهذه كلها قضايا
ناقصة في هذا التقرير!
لا يوجد ما يلفت في التقرير
* عبدالنبي سلمان، ما أهم ما لفت نظرك في التقرير؟
- عبدالنبي سلمان: أعتقد انه لا يوجد به شيء لافت بدرجة كبيرة يختلف كثيرا عن التقارير
السابقة، فلقد ذكرت سابقا أن هذا التقرير يعد امتدادا للسابقة ولكنه ليس سيئا بدرجة
كبيرة. اعتقد - في حدود ما هو متاح للديوان - أنه تقرير جيد وبهذا أنا لا اطرح نفسي
مدافعا عن الديوان بل بالعكس إن الديوان يمكن أن يضطلع بدور اكبر ولكن بما هو متاح
في المرسوم الذي أنشئ على أساسه الديوان. اعتقد انه يقدم خدمة نوعية بالنسبة الى ما
كان موجودا قبل خمس سنوات وأبسط الأمور هي القضايا التي ناقشها الديوان سواء عن طريق
المناقصات أو التقارير التي تفصح عما يدور في الحسابات الختامية للدولة فكل هذه الأمور
اعتقد أن الديوان قدم جهدا جيدا فيها ولكننا نطمح إلى الكثير وخصوصاً أن الديوان تابع
للدولة ولا يملك صفة الاستقلالية ولكني أريد أن أشير في هذه النقطة بالذات إلى أن لدينا
تجربة في دولة الكويت الشقيقة حيث ديوان المحاسبة - الذي لا يمكن مقارنة إمكاناته حتى
صلاحياته بما هو موجود لدينا - يفوق ما هو موجود في البحرين كثيرا وطاقمه الفني والإداري
ربما يفوق أكثر من 550 موظفا في الوقت الذي نتحدث فيه عن أعداد قليلة من الموظفين والفنيين
الذين يستطيعون أن يقوموا بهذا الدور وبالتالي إمكانات ديوان الرقابة المالية محدودة
جدا، وأعتقد أن ذلك يشير الى أنه لا توجد جدية حقيقية لدى الدولة في أن يكون الديوان
اكبر مما هو حاليا.
أما عن السؤال عمّا قدمه في هذا التقرير من تميز فأعتقد انه لم يقدم الكثير من التميز
ولكني للأمانة احترم التقرير، وسأكون قانعا تماما لو أن السلطة التشريعية استفادت من
التقريرين في 2005 و2006 واعتقد أن ذلك سيكون محفزا للديوان والمجتمع والدولة أن يكون
هناك رقابة داخلية لو انه تم اخذ تقرير العام 2005 على محمل الجد !
* ولكن السؤال كيف تعاملتم في المجلس السابق مع تقريري 2003 و2004 ولماذا لم تقدموا
أحداً إلى القضاء بتهمة الفساد على حين تطالبون ديوان الرقابة المالية بذلك؟
- عبدالنبي سلمان: لقد كان تقرير العام 2004 متميزا بالنسبة إلى تقرير العام 2003 باعتبار
أن تقرير 2003 كان التقرير الأول للديوان، وبصفتنا لجنة مالية في مجلس النواب تعاملنا
مع التقريرين بشكل جيد إذ كان لدينا أكثر من اجتماع وأكثر من زيارة للديوان وكان هناك
أيضا مساءلة حقيقية داخل اللجنة ومن ثم في المجلس لكثير من مؤسسات الدولة والكثير من
الأسئلة التي طرحت والكثير من الاقتراحات التي قدمت إلى الحكومة لوقف عمليات الفساد
وعلى سبيل المثال تقدمت كتلة الديمقراطيين باقتراح لقانون العمولات الحكومية وكتلة
المنبر الإسلامي اقترحت قانون الذمة المالية. كل هذه الأمور خرجت من رحم مناقشة التقرير
الثاني تحديداً؛ لأنه أفصح عن أوجه فساد محددة فالأسئلة التي طرحت عن شركة بابكو في
2004 و2005 كانت أسئلة صادمة لها حتى الوزير المعني آنذاك عبدالحسين ميرزا قدم نوعاً
من التأكيد امام المجلس أنه سيتابع العملية عن قرب والتزم تقديم تقرير إلى المجلس خلال
فترة وجيزة من مناقشة ما دار في الشركة كما تمت مناقشة إيرادات «ألبا».
التلاعب بعائدات النفط
يمكن أن أشير هنا الى نقطة استطراداً لما ذكره الأخ إبراهيم شريف والخاصة بشركة بابكو
وألبا، اعتقد أنما يجري في هاتين الشركتين هو اكبر مما يطرح من قبل الرأي العام حاليا،
فمسألة أن التقرير الحالي يطرح انه مازالت شركة بابكو لا تمتلك الاستقلالية المالية
والإدارية عن الدولة ومازالت حسابات «بابكو» مربوطة بحسابات الدولة فإني اعتقد أن ذلك
ليس إهمالا ولكنه تعمد من قبل الدولة وهدف سياسي نحن شاهدناه عن قرب عندما ناقشنا موازنة
2005 و2006 إذ كان واضحا الخلط المتعمد من قبل وزارة المالية في مسألة التلاعب بأسعار
النفط وكلفة إنتاج البرميل من حقل البحرين وكلفة تكرير برميل النفط السعودي. هذا التقرير
يفصح بعبارة واضحة عن ضرورة فصل حسابات شركة بابكو عن حسابات الدولة وأن يكون لدى الشركة
استقلالية مالية وإدارية كما أكد التقرير انه لا يتم عكس نسبة دعم أسعار المنتجات النفطية
في السوق المحلية في حسابات «بابكو» على رغم أننا نعلم ان هناك دعماً كبيراً لذلك.
هناك أيضا شيء خطير جدا في التقرير وهو واضح، ألا وهو التلاعب بعائدات النفط كما أن
إيرادات الشركة لا تظهر الصورة الحقيقية لنتائج أعمال المصفاة؛ ما يعني أن كلفة إنتاج
برميل النفط من حقل البحرين تحتسب على أساس دولار واحد في الوقت الذي تحتسب فيه كلفة
شراء النفط السعودي الذي يكرر لدينا بحسب أسعار السوق العالمية. إن ابسط المفاهيم المحاسبية
التي لا تحتاج الى الخبراء توضح أن هناك تلاعبا في الموضوع وذلك ما وجدناه عندما كنا
نناقش الموازنة العامة للدولة وإن كنتم تتذكرون ما حدث من نقاش حامٍ وأخذ وردّ مع الدولة
في هذا الجانب ومن ثم خضعت الدولة واكتشفنا أن هناك أكثر من 550 مليوناً كانت مغيبة
بسبب ذلك ومن ثم حدث ذلك أيضا في ميزانية 2007 و2008 إذ تكرر الدولة الخطأ نفسه بتعمد.
مسألة أخرى هي المناقلات في الاعتمادات فلقد تقدمت كتلة الديمقراطيين بالإضافة إلى
النائب جاسم عبدالعال باقتراح محدد حرفيا لكي تتم المناقلات بقانون وليس كما هو حاصل
حاليا بيد وزير المالية. هناك أكثر من 20 مليون دينار تجاوز من وزارات الدولة فائضا
عما هو مرصود لها من قِبل السلطة التشريعية ولا يوجد من يسأل في وزارة المالية عن ذلك
وهنا نطرح السؤال: لماذا يتم كل ذلك؟ ولمصلحة من؟ وأين كانت وزارة المالية غائبة؟ فوزارة
الصحة تتجاوز بكذا مليون ووزارة الدفاع تحديدا التي يخصص لها ثلث موازنة الدولة تتجاوز
موازنتها أكثر من 3.3 ملايين دينار وكأن موازنتها مجحفة في حقها وهي تمثل ثلث موازنة
الدولة.
نحن اعترضنا على ذلك وعلى رغم ذلك تُصْرَف من خارج الاعتماد ومن دون قانون والشيء نفسه
حصل في وزارة التربية والتعليم التي صرفت أكثر من 7 ملايين دينار ويعلل احد المسئولين
الكبار في وزارة «التربية» ذلك بأن مجلس النواب السابق خصم من موازنتنا. السؤال الذي
يجب أن تطرحه الصحافة والرأي العام: الملايين التي خُصِمت من موازنات وزارة الدفاع
والصحة والتربية ووزارة الأشغال والإسكان كان واضحاً جداً أنها خُصِمت من أبواب لا
تمت بأي صلة إلى الجانب الخدمي بل كانت تتعلق بجانب مشاركة هذه الوزارات في المؤتمرات
الخارجية والسفرات والرفاهية والمصروفات على السيارات ومكاتب المسئولين الكبار، ولذلك
أي مسئول يحترم نفسه لا يمكن أن يقول إن هناك مبالغَ خصمت علينا ومن ثم استرجعناها،
كما أن هذه المبالغ إن كانت استُرجِعت فهي قد استرجعت من خارج القانون فلا توجد موافقة
أو قرار من وزير المالية والسؤال هو: ما دور مجلس النواب في هذا الجانب؟
وزيرة الصحة الكويتية معصومة المبارك استُهدِفت من قِبل الكتل الإسلامية في مجلس النواب
الكويتي بسبب حريق في مستشفى وأُسقِطت، على حين أن هذه التجاوزات التي ذُكِرت في التقرير
ونشرتها صحيفة «الوسط» على صفحتها الأولى والتي أشارت الى تجاوز أكثر من سبع وزارات
لموازنتها تسقط كل هذه الوزارات لو شئنا ذلك وهذا سؤال يجب أن يطرح على الإخوة النواب:
هل يكفي فقط تشكيل لجان تحقيق ومن ثم تضيع هذه اللجان في ردهات ومكاتب الدولة لأن هناك
كتلاً تتدخل لمصالحَ معينة. أعتقد أن المسألة تحتاج إلى معالجة بشكل جاد أكبر.