الوسط - الأحد 9 ديسمبر
2007م - العدد 1920
في ندوة الوسط عن
إصـــــــــــلاح سوق العمل 1-2
حالة الانتعاش الاقتصادي تعد فرصـــــة للبدء في الإصلاحات لا تأجيلها
الوسط - جميل
المحاري
أجمع عدد من المختصين على أن سوق العمل في البحرين تعاني من اختلالات هيكلية تستوجب
القيام بخطوات جريئة لإصلاحها، وقالوا إن هذه الاختلالات تتمثل في وجود أعداد من
الشباب البحريني العاطل عن العمل في ظل وجود عمالة أجنبية، كما تتمثل في هبوط مستوى
الرواتب والاعتماد على العمالة الأجنبية الرخيصة بالإضافة إلى أن غالبية فرص العمل
الجديدة التي يخلقها الاقتصاد البحريني تذهب إلى العمالة الأجنبية وهي غير مرغوب
فيها من قِبل البحرينيين؛ نظراً إلى قلة الرواتب المعروضة عليها.
وقال المختصون خلال الندوة التي نظمتها «الوسط» عن إصلاح سوق العمل إن حالة
الانتعاش الاقتصادي التي تعيشها المنطقة في الوقت الحالي عامل مساعد للبدء في
إصلاحات سوق العمل بدلاً من تأجيلها.
شارك في الندوة - التي رفضت غرفة تجارة وصناعة البحرين حضورها - الرئيس التنفيذي
بالوكالة لصندوق العمل عبدالإله القاسمي وعضو مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل ممثل
الجانب العمالي في «الهيئة» كريم رضي، والباحث الاقتصادي جعفر الصايغ، والقائم
بأعمال نائب الرئيس بهيئة تنظيم سوق العمل محمد ديتو، والمدير العام لمشروع التدريب
والتوظيف بوزارة العمل محمد الأنصاري. وفيما يلي نص الجزء الأول من الندوة:
كيف تقوّمون سوق العمل في البحرين؟ وهل هناك حاجة فعلية للإصلاح؟
- جعفر الصايغ: كلنا نعرف أن سوق العمل كانت سبباً لبعض المشكلات الاقتصادية
والسياسية في البحرين، فبسبب الاختلالات والمشكلات الموجودة في السوق أوجد وضع
عايشناه خلال السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية من انتشار البطالة وما صاحب ذلك
من عدم الاستقرار السياسي برز في التسعينات بشكل واضح، وهذا يحدث في الكثير من
الدول لا البحرين فقط.
ومنذ السبعينات كانت هناك محاولات كثيرة واستثمرت مبالغ هائلة بغرض إيجاد سوق عمل
مستقرة تخدم الاقتصاد الوطني عموماً.
بسبب المشكلات التي تعاني منها السوق تدنت الإنتاجية. وعلى رغم وجود منافسة بين
العمالة الأجنبية والعمالة البحرينية فإن هذه المنافسة لم تؤدِ إلى زيادة
الإنتاجية؛ لأن هذه المنافسة لم تكن عادلة؛ ما أدى إلى هبوط الإنتاجية وعدم وجود
رغبة في الابتكار والتطوير والتدريب وذلك ما أوجد حاجزاً يمنع إدخال الإصلاحات في
السوق.
لذلك أرى أن هناك ضرورة كبرى لإصلاح سوق العمل في البحرين ولنعطي هنا بعض الأمثلة:
إن وجود أعداد هائلة من العمالة الأجنبية الرخيصة أدى إلى عدم اهتمام المستثمرين
بدور التقنية والابتكار في خفض الكلفة وزيادة القدرة التنافسية، وبسبب هذه العمالة
لم يصبح العامل المواطن هو المفضل لدى أرباب العمل، وبسبب هذه الاختلالات وجد
الكثير من العمالة التي تعمل في سوق العمل غير الرسمية، ولذلك أصبحت السوق غير
منظمة ولا تخدم الأهداف السياسية للاقتصاد الوطني ولكل ذلك إن هناك حاجة ماسة
لإعادة هيكلة سوق العمل في البحرين.
أولويات الإصلاح
ولكن التجار وأصحاب الأعمال ينتقدون أولويات الإصلاح في البحرين إذ يرون أنه يجب
أولاً البدء بإصلاح التعليم ومن ثم إصلاح الاقتصاد وأن من خلال هذه الإصلاحات سيكون
إصلاح سوق العمل تحصيل حاصل، بمعنى أن في حال إجراء هذه الإصلاحات أولاً فإن
المواطن البحريني ومن خلال ما اكتسبه من عملية التعليم والتدريب من مهارات سيكون
مرغوباً فيه من القطاع الخاص كما أن عملية الإصلاح الاقتصادي ستخلق اقتصادا
ديناميكيا محفزا للنمو وبالتالي سيصبح قادرا على خلق المزيد من فرص العمل المجزية،
بعكس ما هو حاصل الآن فإن البدء في إصلاحات سوق العمل لن تكون مجدية؟
- عبدالإله القاسمي: سأتحدث في هذا الموضوع من خلال كوني عملت في اللجنة التي أسست
فكرة إصلاح سوق العمل وليس لكوني مسئولاً في صندوق العمل، فتأسيس الصندوق لم يأتِ
إلا من خلال عملية الإصلاح.
من دون شك الإصلاحات الثلاثة مطلوبة مع بعضها بعضاً ولا يمكن الفصل بينها، ولكن
إصلاح التعليم والتدريب يأخذ فترة طويلة ونتيجته لن تأتي خلال سنة أو سنتين، وأعتقد
أن إصلاح التعليم قد بدأ وقد بدأ بقوة والدليل على ذلك تم إقرار إنشاء كلية
للمدرسين، وهيئة للجودة، والتلمذة المهنية كل ذلك تم في فترة قصيرة وأعتبر ذلك
انجازاً كبيراً، ولكن حتى تظهر نتائج ذلك على الواقع نحتاج إلى سنين طويلة،
والمشكلة المتمثلة في أيهما الأول البيضة أم الدجاجة لن تحل الإشكال.
الإصلاح الاقتصادي عامل مهم أيضاً؛ لأننا نريد أن نخلق وظائفَ ذات قيمة مضافة موجهة
إلى البحرينيين. البعض يعتقد أن إصلاح سوق العمل ينحصر في الرسوم فقط وذلك خطأ كبير
ففرض الرسوم ما هو إلا جزء بسيط من عملية الإصلاح التي تفترض أن يكون العامل
البحريني والعامل الأجنبي في كفة واحدة وأن يكونا متساويين. ومثلما هناك حرية لتنقل
العامل البحريني من عمل إلى آخر فذلك يجب أن يطبق على العامل الأجنبي، كما يجب أن
نجعل البحريني مفضلاً لدى صاحب العمل من خلال كفاءته وخبرته وليس لمجرد كونه
مواطناً بحرينياً. إصلاح سوق العمل يبدأ بتطبيق المعايير الدولية لبيئة العمل التي
تناسب ليس فقط العامل الأجنبي ولكن تناسب حتى المواطن، ووضع معاييرَ واضحة لحقوق
العامل وواجباته.
أعتقد أن المسارات الثلاثة للإصلاح بدأت مع بعضها بعضاً ولذلك لا يمكن الانتظار حتى
يتم الانتهاء من كل الإصلاحات الأخرى ومن ثم إصلاح سوق العمل فمعنى ذلك الانتظار
لأكثر من عشر سنوات.
نحن بدأنا بالخطوات الصعبة فبلا شك ليس هناك أحد يعترض على إصلاح التعليم أو
الاقتصاد ولكن إصلاح سوق العمل هناك من سيتأثر منه بشكل سلبي؛ ولذلك هناك خلاف في
وجهات النظر بشأنه. إن جميع الإصلاحات بدأت مع عملية الإصلاح السياسي التي دشنها
جلالة الملك ومن دون هذه العملية لم نكن قادرين على طرح الإصلاحات الأخرى. يجب الآن
البدء في هذه الإصلاحات جميعها من دون التعلل بأولوية أي منها.
المشروع الوطني للتوظيف
كيف ستؤثر عملية إصلاح سوق العمل على مشروع التدريب والتوظيف؟ وهل هما عمليتان
مرتبطتان ببعضهما بعضاً أم أنهما منفصلتان؟
- محمد الأنصاري: سأبدأ من حيث انتهى القاسمي. لاشك في أن هناك استحقاقات سياسية
بعد عملية الإصلاح السياسي التي بدأها جلالة الملك، ومن ضمن هذه الاستحقاقات يأتي
المحور الاقتصادي وتحسين مستوى دخل المواطنين على قمة الأولويات فالإصلاح السياسي
لم يأتِ إلا لإصلاح المجتمع بشكل كامل في النواحي التعليمية والصحية والاجتماعية
وجميع هذه الإصلاحات تندرج بشكل أو بآخر ضمن عملية الإصلاح الاقتصادي.
فيما يخص المشروع الوطني للتوظيف، سجل في بداية المشروع 12 ألف عاطل عن العمل وكان
هناك إلى جانب المشروع الوطني للتوظيف مشروع آخر هو مشروع رفع رواتب متدني الأجور
العاملين في القطاع الخاص وكان عددهم 43 ألف موظف، وقد نجح هذا المشروع في رفع أجور
16 ألف موظف بحريني إلى 200 دينار حتى الآن كما نجح مشروع التوظيف في خفض عدد
العاطلين من 12 ألف عاطل عن العمل إلى 6 آلاف في الوقت الراهن.
ولكننا نتحدث هنا عن أن متدني الأجر هو من يحصل على اقل من 200 دينار شهريا، على
حين مشروع إصلاح سوق العمل لا يتحدث عن هذا المبلغ، ولا يعالج الحالة الاضطرارية أو
حالة الطوارئ التي جاء المشروع الوطني للتوظيف لعلاجها؛ إذ إن هذا المشروع مخصص
لعلاج حالة طوارئ متمثلة في ارتفاع نسبة البطالة في البحرين وزيادة عدد متدني
الأجور، وقد نجح المشروع إلى حد كبير في تحقيق أهدافه المرحلية ولكن هذه الأهداف
كانت منذ البداية أهدافاً مرحلية.
لا أحدَ في وزارة العمل يقول إن راتب الـ200 أو 300 حتى 400 دينار هو الطموح، فنحن
في وزارة العمل نطمح إلى راتب يجعل المواطن البحريني يعيش عيشة كريمة تحقق له
مستوًى معيشياً مقبولاً، ولا يمكن لمثل هذه المشروعات أن تحقق ذلك ولابد من قفزات
كبيرة تقلص الهوة بين ما هو عليه الآن وما هو الطموح، ولا يمكن ذلك إلا من خلال
إصلاح سوق العمل فأي مشروع اقتصادي تنموي، لابد له من إصلاحات جذرية.
بررت «الغرفة» موقفها من أهمية تأجيل الرسوم حتى إعادة النظر في موضوع إصلاح سوق
العمل برمتها بانخفاض نسبة البطالة إلى أقل من 4 في المئة بعكس ما توصلت إليه دراسة
مكنزي لإصلاح سوق العمل من أن عدد العاطلين عن العمل سيصل إلى 100 ألف خلال السنوات
القليلة المقبلة، والسؤال هو: لماذا الإصلاحات مادام الاقتصاد البحريني قادراً على
خلق المزيد من فرص العمل للبحرينيين؟ أوليس هناك مبالغة كبيرة في الأرقام التي
أوردتها الدراسة بهدف تبرير الإصلاحات؟
- عبدالإله القاسمي: لا أعتقد أن الدراسة قالت إنه سيكون هناك 100 ألف عاطل عن
العمل ولكن الدراسة قالت إن هناك 100 ألف مواطن سيدخلون سوق العمل خلال السنوات
العشر المقبلة.
إن الاقتصاد البحريني قادر على خلق المزيد من الوظائف وهو يخلق آلاف الوظائف سنوياً
ولكن المسألة أن الوظائف التي يخلقها الاقتصاد الوطني في المرحلة الحالية عبارة عن
نسبة 10 في المئة منها فقط رواتبها تزيد على 200 دينار. فالاقتصاد يخلق وظائفَ
ولكنها ليست وظائفَ جيدةً يطمح إليها البحرينيون.
إن معدلات الداخلين في سوق العمل سنويا هم 5000 إلى 6000 مواطن سنويا وهم يتنافسون
على 800 وظيفة جيدة، فأين سيذهب باقي الخريجين. إن معهد البحرين للتدريب يخرج سنويا
بين 800 الى 900 طالب سنويا وذلك غير الجامعيين أو خريجي الثانوية العامة.
إصلاح سوق العمل والبطالة
ويتابع القاسمي: كما أن إصلاح سوق العمل لم يأتِ فقط للتغلب على مشكلة البطالة.
صحيح أنه عندما بدأت الدراسة كنا نعاني من مشكلة البطالة ولكن عند إجراء الدراسة
تبيّن أن سوق العمل في البحرين تعاني من اختلال ومشكلات كبيرة وليس فقط مشكلة
البطالة التي يمكن أن تحل من خلال البرنامج الوطني للتوظيف والتدريب وغيره من
البرامج ولكن هناك مشكلات مرتبطة بالعمالة الأجنبية الرخيصة التي تؤثر على تنافسية
البحرين في الخارج، فإن كانت التنافسية محصورة بتدني الرواتب فهناك الصين والهند
وسيرلانكا وغيرها من الدول التي لا نستطيع أن ننافسها في هذا المجال ولذلك أقول إن
هناك خللاً كبيراً تعاني منه سوق العمل في البحرين وليس فقط مشكلة البطالة ولذلك
يجب أن يكون الحل شاملاً وليس جزئياً.
بررت «الغرفة» كذلك موقفها من الإصلاحات بما أفرزته المستجدات من ارتفاع كبير في
أسعار النفط وعوائد الدولة وما تشهده المنطقة حالياً من انتعاش اقتصادي كبير، فهل
ترى أن ذلك يعدد مبرراً مقبولاً لإلغاء الإصلاحات؟
- جعفر الصايغ: إن إصلاح سوق العمل ليس له علاقة تماماً بحجم إيرادات الدولة،
فإصلاح السوق يعني أنها تعاني من اختلالات ومشكلات سواء هناك ارتفاع في موزانة
الدولة أو لا. يجب ألا يتم ربط هذين الأمرين، فعندما تتحدث «الغرفة» عن أن هناك
ارتفاعاً في الإيرادات نتيجة ارتفاع أسعار النفط فمعنى ذلك أنها تريد حل المشكلة عن
طريق التمويل، على حين أن السوق تحتاج الى إجراءات محددة.
إن الاقتصاد البحريني كما هو الاقتصاد الخليجي لا يعاني من مشكلة خلق فرص العمل،
فعندما تكون هناك بطالة في أي دولة فغالبا ما يعزى ذلك إلى نقص الاستثمارات في هذه
الدولة وأن هناك ركوداً اقتصادياً تعاني منه وهذه المشكلة ليست موجودة في الدول
الخليجية.
إن الاقتصاد البحريني يخلق الكثير من فرص العمل وأهم دليل على ذلك هو وجود العمالة
الأجنبية وارتفاع أعدادها سنة عن أخرى، ولذلك فالمشكلة ليست متصلة بحجم الاستثمارات
الموظفة لدينا وإنما تكمن إما في نوعية فرص العمل التي تخلق، أي أنها غير مناسبة
للبحرينيين وهنا يجب دراسة لماذا هي غير مناسبة؟ وهل البحرينيون غير مؤهلين لشغل
هذه الوظائف، وإما أن هناك مشكلة في عملية توزيع فرص العمل بين العمالة الأجنبية
والعمالة المواطنة.
إن فرص العمل التي تخلقها البحرين وتصرف عليها الدولة مبالغَ هائلة، لا تخلق
بالمجان فالدولة تصرف الكثير على ذلك من خلال البنية التحتية. إذاً، لماذا هناك
توزيع غير عادل لفرص العمل التي يتم خلقها؟ فلنناقش هذا الموضوع فقد تكون مسألة
الكفاءة أحد هذه الأسباب وقد تكون المسألة عدم وجود أخلاقيات العمل لدى البعض أو أن
هناك عدم رغبة المواطنين في شغل بعض الوظائف! إذاً هناك أسباب ومسببات لذهاب معظم
فرص العمل إلى الأجانب وهنا لا يوجد رابط بين هذه الأسباب وزيادة إيرادات الدولة من
خلال ارتفاع أسعار النفط.
إن لب المشكلة يكمن في أهمية دراسة. لماذا تذهب غالبية الوظائف التي يخلقها
الاقتصاد الوطني إلى العمالة الأجنبية؟
الوصل إلى توافق
- محمد ديتو: إن جميع النقاش الدائر منذ إطلاق عملية إصلاح سوق العمل حتى اليوم بغض
النظر عن مختلف التفاصيل يصب في اتجاه بأي قدر نحن بصفتنا مجتمعاً قادرون على
الوصول إلى توافق في معالجة الأسباب الجذرية لاختلالات سوق العمل. هناك اتفاق عام
على أن سوق العمل في البحرين تعاني من بعض الاختلالات الهيكلية الأساسية التي أدت
إلى ظهور مشكلة البطالة وبروز ظاهرة قدوم عمالة وافدة بأعداد كبيرة.
أعتقد أن نجاحنا في معالجة هذه الاختلالات يكمن في إلى أي مدى نستطيع أن نصل إلى
الأسباب الجوهرية وليس الهامشية ولذلك نلاحظ أن السياسات التي وضعت لا تقتصر على
الرسوم فقط وإنما كانت الرسوم هي إحدى الجزئيات من ضمن عدة محاور. وفي هذا الإطار
أؤكد موضوع إعداد البحرينيين وتدريبهم وتوظيفهم وبالتالي رفع ثقافة القوى العاملة
البحرينية لتستطيع أن تحل محل العمالة الأجنبية في مختلف الوظائف، وفي الوقت نفسه
إن إصلاح سوق العمل مرتبط بشكل جذري مع إصلاح التعليم والتدريب والإصلاح الاقتصادي
وبالتالي إن هناك وعياً واضحاً منذ البداية بترابط مختلف أنواع الإصلاحات.
والآن عندما نريد أن نناقش ما يتم طرحه أن هناك تحسناً في السنوات الأخيرة وبالتالي
لا توجد أهمية لإصلاح سوق العمل فإننا نواجه سؤالاً، صحيح أن هناك تحسناً وهذا
التحسن أدى إلى انعكاسات ايجابية من ضمنها تقلص حجم البطالة وتوافر فرص عمل بشكل
أفضل، إلا أن هذا التحسن كان غير كافٍ لاستيعاب كل المتغيرات السلبية في سوق العمل.
الأمر الآخر إن الدورة الاقتصادية التي تمر بها البحرين ودول الخليج في الوقت
الحالي، لها عمر وستنتهي وذلك من خلال واقع تجارب سابقة.
إن التحدي الذي يواجهنا هو جعل هذا النمو نمواً مستداماً وقابلاً للاستمرار في
المستقبل، والسؤال هو: هل يمكن الاستمرار في ظل بنية سوق العمل البحرينية الحالية
التي تعتمد بشكل كبير على العمالة الوافدة القليلة المهارات والرخيصة الأجر؟ هل
يمكن أن تكون هذه البنية قاعدة للانطلاق للنمو المستدام والمستقر؟ بالتالي يجب ألا
نكتفي بذكر الواقع الراهن ونجعله واقعاً دائماً.
ويمكن أن تكون هذه الظروف احد أهم الأسباب التي تجعلنا نسارع في الإصلاحات أكثر من
أي وقت آخر؛ لأننا لا نريد أن نفوِّت هذه الفرصة التي نستفيد منها الآن بشكل ايجابي
وبعد أن يأتي الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط نتساءل: هل نحتاج إلى إصلاح سوق
العمل أم لا؟ بل على عكس ذلك، إن كان وضعنا الآن جيدا فذلك سيمكننا من أن ندخل بكل
ثقة وقوة في إصلاحات سوق العمل وليس تأجيل ذلك أو تأخيره.
مشروعات صندوق العمل
ما نتائج تأجيل رسوم العمل حتى العام 2009؟ وما نتائج خفض الرسوم إلى 200 دينار كل
سنتين و5 دنانير شهرياً عن كل عامل من حيث تأثيرها على الموازنة العامة لصندوق
العمل وبالتالي تنفيذ البرامج والسياسات الخاصة بإصلاح سوق العمل؟
- عبدالإله القاسمي: عندما بدأ صندوق العمل مع مطلع العام 2007 كانت موزانته التي
يتسلمها من خلال خصم 8 في المئة من رسوم رخص العمل التي تصدرها وزارة العمل، وعندما
نضع سيناريوهات موازنة الصندوق في العام 2008 فإننا نعتمد على الوضع الحالي، فنحن
لا نضع المشروعات إلا في حال التأكد من الموازنة.
كم تبلغ الموازنة الحالية؟
- عبدالإله القاسمي:الموازنة الحالية هي نحو 18 إلى 20 مليون دينار، ولدينا مشروعات
تغطي هذه الموازنة ولكن من دون شك لدينا مشروعات أكثر من ذلك نسعى إلى تطبيقها في
العام 2008 وبعد ذلك في العام 2009 وبالتأكيد عندما تقل الموازنة فإن ذلك سيؤثر على
نوعية المشروعات وعددها، والتي سيقوم بها الصندوق.
نحن نطمح إلى أن يكون لدينا برامج تدريبية سواء للعاملين الحاليين أو العاطلين
فصندوق العمل لا يفرق بين من يعمل أو لا، بجانب أن شركات القطاع الخاص هي المستفيد
الأكبر من مشروعات الصندوق؛ بسبب أننا إما أن ندعم القطاع الخاص مباشرة من خلال
تحسين الإنتاجية أو منح قروض ميسرة وإما من خلال تدريب العاملين، فمعظم من يتم
تدريبهم يعملون في القطاع الخاص وفي حال تحسين إنتاجية العاملين فذلك سينعكس بشكل
مباشر على المؤسسة التي يعمل فيها.
إن تقليل الرسوم سيؤثر من دون شك على المشروعات المستقبلية التي سيقوم بها الصندوق
وستكون هذه المشروعات اقل من طموحنا، وأحد السيناريوهات الموضوعة للعام المقبل هو
العمل ضمن الموازنة الحالية نفسها حتى صدور قرار عن مجلس الوزراء.
إن لدينا مشروعات كثيرة وإن لم نحصل على المبالغ المطلوبة فسيؤدي ذلك إلى تأجيل هذه
المشروعات إلى السنوات المقبلة وهذا بدوره سيؤثر على قدرة الصندوق على زيادة
التأهيل والتدريب ودعم القطاع الخاص.
عندما طُرِح مشروع إصلاح سوق العمل في العام 2004 أكد القائمون على المشروع - وكان
حينها مجلس التنمية الاقتصادية - أن الإصلاحات التي من بينها رفع كلفة العمالة
الأجنبية إلى 1600 دينار كل سنتين وتدريب البحرينيين لجعلهم الخيار المفضل لدى
أصحاب الأعمال وإلغاء نسبة البحرنة ونظام الكفيل، كل ذلك يأتي حزمةً واحدةً لا يمكن
تجزئتها، فإما الأخذ بها جميعاً وإما تركها جميعاً، وبعد أن قدمت الهيئة عدداً من
التنازلات من بينها خفض الرسوم المفروضة إلى أقل من الربع فأصحاب الأعمال يرون أن
هذا المبلغ لن يكون عائقاً أمام استقدام العمالة الأجنبية. وبحسب دراسة إرنست أند
يونغ «إن قرار رفع رسوم العمالة الأجنبية مطلع العام المقبل إلى 200 دينار بالإضافة
إلى مبلغ 10 دنانير شهرياً لن يجعل من العمالة المغتربة أكثر كلفةً بشكل كبير ولهذا
فإن القطاع الخاص سيدفع هذه المبالغ ولكنه سيحاول توظيف العمالة الأجنبية على الرغم
من ذلك» أفلا ترى أن تخفيض الرسوم الذي كان مطلباً للقطاع الخاص سابقاً أصبح حجةً
الآن؟ ألم تخدع الهيئة في ذلك؟
- محمد ديتو: دعني أبدأ من النقطة الأخيرة؛ ذلك أنني لا أستطيع أن أعلق على كيفية
تعامل القطاع الخاص مع الرسوم، وأنه أخذ خفض الرسوم على أنه حجة فذلك يعكس وجهة نظر
قطاع يجب احترام رأيه.
وأعتقد أن في الوقت نفسه ما يرغب القطاع الخاص أو غيره من سياسات مقترحة مرتبط
بآلية عمل تنفيذ القرارات داخل الهيئة، فالسياسات المقترحة لتنظيم سوق العمل ومن
بينها الرسوم لم تأتِ فرضاً قسرياً على واقع الأمور، ولا أبالغ إذا قلت إن من ضمن
سياسات إصلاح سوق العمل في تاريخ البحرين لم تخضع سياسات ومشروعات لهذا الحجم من
النقاش مثلما خضعت له سياسات إصلاح سوق العمل الحالية، وأعتقد أن ذلك يعتبر ميزة
أساسية، بمعنى أن أي نوع من السياسة أو أي درجة منها يعتمد على درجة التوافق التي
تحصل بين أطراف الإنتاج الثلاثة الممثلة في الهيئة، وذلك ما يقودني إلى موضوع أن
الهيئة خدعت أم لم تخدع. إن هذا الطرح يجانب الصواب فيما يتعلق بفهم دور الهيئة،
فالهيئة ليست جهة خارجية أو مؤسسة ذات مصلحة خاصة بها للسياسات التي تقترحها،
فالهيئة ما هي إلا إطار مؤسسي لتنظيم سوق العمل، وميزة هذا الإطار أو الجديد الذي
فيه هو أنه يدار بصورة ثلاثية فما يتفق عليه مجلس الإدارة، هو الذي يمثل الحد
المقبول من السياسات المقترحة.
مجلس الإدارة قام بمناقشة موضوع الرسوم في أكثر من جلسة وكان من أوائل الأمور التي
ناقشها منذ بدء نشاطه وهناك أكثر من سيناريو تم استعراضه وأجريت مناقشات معمقة في
هذا الجانب من قبل مختلف الأطراف إلى أن تم التوصل إلى الصيغة التي رفعت لاحقاً إلى
مجلس الوزراء للبت فيها.
وأعتقد أن مسألة الرسوم بدأت بمرحلة أخرى هي مسألة التوافق من خلال اللجنة التي تم
تشكيلها من قبل مجلس الوزراء وبالتالي إن ما ينتج من هذه السياسات تتعامل الهيئة
تتعامل بوصفها جهازاً تنفيذياً.
- عبدالإله القاسمي: لديّ تصحيح بسيط وهو ما يتعلق بمبلغ الـ1600 دينار فهذا المبلغ
لم يطرح ولكن المبلغ الصحيح هو أن في نهاية فترة الإصلاحات سيصل المبلغ إلى 2400
دينار كل سنتين أي ما يساوي 1200 دينار كل سنة وهذا كان الاقتراح في شكله الأولي.
موقف نقابات العمال
من الغريب أن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين لم يحدد موقفاً واضحاً مما طرحته
«الغرفة» من أهمية تأجيل الرسوم وخفضها وذلك على مستوى الصحافة على الأقل فلم نسمع
حتى الآن ما يشير إلى موقف الاتحاد...
- كريم رضي: إن موقنا بصفتنا الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين هو أن الهيئة
مشكلة من الأطراف الثلاثة وبالتالي إن أي موقف يجب أن يطرح على طاولة المفاوضات بين
الأطراف الثلاثة في الهيئة، وإلا فلا قيمة للهيئة الثلاثية.
لقد كان بإمكان الاتحاد أن يعمل المثل بأن يتفق مع الأعضاء في الهيئة على قرار موحد
ومن ثم يخرج ويتخذ موقفاً آخر. أن مواقفنا المعلنة في الصحافة هي نفسها مواقفنا
التي نطرحها في الهيئة.
إن السبب الرئيسي لإصلاح سوق العمل والذي كان يدفع إليه بقوة أصحاب العمل أنفسهم؛
لأنهم كانوا يقولون إن وزارة العمل تريد فرض نسبة من البحرنة عليهم بالقوة وكانوا
يطرحون ترك مسألة البحرنة لعوامل السوق. نحن العمال كنا مرتاحين من القوانين التي
تحدد نسبة البحرنة في كل قطاع ولم نكن نرفض فرض نسبة البحرنة ولكن أصحاب الأعمال هم
رفضوا ذلك ويرفضونه إلى حد الآن ومن هنا جاءت فكرة إصلاح سوق العمل ومن هنا جاءت
دعوة سمو ولي العهد للتباحث في موضوع الإصلاحات وكان سموه يؤكد أن الإصلاحات من
الممكن أن تكون مؤلمة ولن تكون سهلة وأن هناك قطاعات ستتضرر من ذلك. ورأت الدراسة
التي تم طرحها آنذاك أن هناك كلفة منخفضة للعمالة الأجنبية مقابل كلفة مرتفعة
للعمالة المواطنة ولذلك يجب سد هذه الفجوة ليصبح البحريني مرغوباً فيه من صاحب
العمل تلقائياً.
لست الآن في موقف أن ألوم أحداً لكوني احد أعضاء مجلس إدارة الهيئة ولكني أقول إن
من المفترض إن كانت هناك هيئة تمثل جميع الأطراف فإنه يجب مناقشة جميع الأمور على
الطاولة بكل شفافية وكل وضوح.
أولاً، إن جوهر إصلاحات سوق العمل قائم على الرسوم كما أن صندوق العمل يعتمد بشكل
كبير على هذه الرسوم فإن ألغينا الرسوم فلن يبقى شيء من سياسة الإصلاح.
ثانياً، إن أصحاب الأعمال بدأوا بجني ثمار الإصلاحات قبل تطبيقها، فالآن صدر قانون
التأمين ضد التعطل وحصل أصحاب الأعمال على ميزة عدم دفع الرسوم البالغة 1 في المئة
من اجر العامل إذ تقوم الحكومة بدفعها بدلا عنهم، وحتى الآن إنهم لم يدفعوا لصندوق
العمل ولا ديناراً واحداً. إن جميع هذه الأمور جرت بسبب أن هناك توافقاً.
نحن العمال نعتقد أن إن ترك أمور البحرنة لقوانين العرض والطلب فسيكون العامل
البحريني في هذه الحالة مهمشا، ولكننا نقول إن مشروع الإصلاح يجب أن يأخذ فرصته ومن
الخطأ أن نقول إن المشروع سينجح بشكل كبير وسيزيل جميع التشوهات كما أن من الخطأ
الجزم بفشل المشروع قبل البدء فيه. لا يجب عرقلة المشروع من أي جهة كانت.
نقطة صغيرة أخرى أحب أن أضيفها وهي ما يخص حديث «الغرفة» عن المؤسسات المتوسطة
والصغيرة، نحن نحس بمشكلة هذه المؤسسات فبعض هذه المؤسسات من الممكن أن تكون محسوبة
على العمال أكثر منها أصحاب أعمال ولذلك لا يجب استغلالهم لإفشال الإصلاحات.
رسوم العمل وهروب الاستثمارات
هل تم طرح الدراسة التي قامت بها «الغرفة» في مجلس إدارة الهيئة ومناقشتها؟
- كريم رضي: كان من المفترض أن تقدم إلى مجلس الإدارة، ولكني لا أتكلم هنا عن
الدراسة. إني أتحدث عن الموقف، فلنفترض أن في المشروع الوطني للتوظيف هناك الأطراف
الثلاثة ممثلة فيه ويخرج احد الأطراف ليعلن انه ضد هذا المشروع، إن ذلك لا يجوز
وغير منطقي.
أكدت الغرفة أن رفع الرسوم سيؤدي إلى هروب الاستثمارات المحلية والأجنبية باتجاه
دول الخليج المجاورة التي لا تفرض مثل هذه الرسوم المرتفعة؛ ما سينتج منه تراجع
معدل النمو الاقتصادي، كما أن رفع الرسوم سيؤدي إلى رفع أسعار السلع والخدمات
المحلية مقابل انخفاض أسعار السلع المستوردة وبالتالي إن رفع الرسوم ستؤدي إلى
خلخلة الاقتصاد الوطني برمته. ما رأيك في ذلك؟
- جعفر الصايغ: إن العمالة هي عنصر من عناصر كلفة الإنتاج فعندما ترتفع كلفة
العمالة فسترتفع بالتالي إجمالي كلف الإنتاج ولكن السؤال: هل هذا ينطبق على دول
المنطقة بما فيها البحرين؟ أتذكر قبل فترة كان أصحاب العمل يشتكون من عدم كفاءة
العمالة الوطنية، وأن العمالة الوطنية دائما تنظر إلى العمل في القطاع العام وأنها
ليست لديها ولاء للمؤسسة التي تعمل فيها، ولم يكونوا يشتكون أبداً من ارتفاع كلف
هذه العمالة، كما أتذكر أن احد التجار قال لي في احد اللقاءات: في حال توفير
العمالة الوطنية المدربة لي فلن أقوم بتوظيف العمالة الأجنبية.
والسؤال الذي طرحته: هل ذلك ينطبق على دول المنطقة؟ طبعاً هناك اختلاف من قطاع إلى
آخر ومن مؤسسة إلى أخرى، بعض الصناعات ستتأثر من ذلك، ولكن غالبية الصناعات يوجد
بها فرق شاسع بين كلف الإنتاج والأرباح. هناك نوعان من الاستثمار الأجنبي،
فالمستثمرون ينظرون إلى العمالة الرخيصة جداً ومثل هؤلاء لن يأتوا إلى الدول
الخليجية وإنما سيذهبون إلى الدول المصدرة للعمالة، وهناك مستثمرون ينظرون إلى
عمالة ذات كفاءة عالية فكلما زادت كفاءة العامل زادت إنتاجيته، وعموماً أنا لا
اعتقد أن ارتفاع كلف العمالة عموماً سواء العمالة الأجنبية أو المحلية سيؤدي إلى
هروب الاستثمار، ولننظر إلى القطاع المصرفي أو الشركات الكبيرة فإنها تعتمد بشكل
كبير على العمالة الوطنية ذات الأجور المرتفعة. هل هناك من يقول إن هناك عمالة
وطنية ذات كفاءة عالية غير مرغوب فيها في السوق، حتى المؤسسات الأجنبية تنظر إلى
العمالة المواطنة المؤهلة ومستعدة أن تدفع لها أجوراً عاليةً.
نحن نتحدث عن إصلاحات سوق العمل؛ بهدف رفع كفاءة العمالة المواطنة ولدينا ميزات
تنافسية كثيرة كتوافر الطاقة ووجود بنية تحتية متطورة ونظام اتصالات متطور، وإن كان
هدفنا هو جذب الاستثمارات التي تبحث عن العمالة الرخيصة كما حدث لمصانع الملابس
الجاهزة التي ما إن انتهت «الكوتا» مع الولايات المتحدة حتى أقفلت مصانعها وخرجت من
البحرين فهذه الاستثمارات لن تبقى على المدى البعيد، ولكننا يجب أن نبحث عن صناعة
لها بعد نظر وتعتمد على العمالة الماهرة وذلك من أجل المساهمة في عمليات التنمية
المستدامة.
«غرفة التجارة» ترفض المشاركة في الندوة
رفضت غرفة تجارة وصناعة البحرين المشاركة في الندوة التي نظمتها صحيفة «الوسط» عن
إصلاح سوق العمل بحضور جميع الأطراف المعنية، وعلّلت رفضها بأن «مواقف الغرفة واضحة
بهذا الشأن من خلال البيان الذي أصدرته حديثاً ودعت فيه إلى إعادة النظر في مشروع
إصلاح سوق العمل نظراً للظروف المستجدة التي تعيشها المنطقة في الوقت الراهن». وقال
الرئيس التنفيذي للغرفة أحمد نجم: «موقف الغرفة واضح تماماً من خلال البيانات التي
نصدرها، وفي حالة حضورنا لهذه الندوة فإننا لن نضيف جديداً». وكانت غرفة التجارة
أصدرت بياناً طالبت فيه بخفض الرسوم المفروضة على العمالة الوافدة، وتأجيل تطبيق
قرار فرض زيادة الرسوم حتى بداية العام 2009 بدلاً من الموعد المحدد في شهر يناير/
كانون الثاني 2008.
قانون
بشأن تنظيم سوق العمل
مرسوم
بقانون بشأن التأمين ضد التعطّل
مرسوم
بتشكيل مجلس إدارة هيئة تنظيم سوق العمل
قرار
باعتماد الخطة الوطنية بشأن سوق العمل