الوطن - الثلاثاء 25 مارس 2008م - العدد 835
قراءة قانونية ودستورية لمسألة الاستجواب في النظام الدستوري للبحرين
كتب(ت) د. عبد الرحمن عبدالله الحميدان النجدي:
حق الاستجواب يُعتبر من أخطر حقوق مجلس النواب في مملكة البحرين في علاقته بوزراء الحكومة،
فهو يتضمن اتهام لأحدهم وتجريح سياسته، ومن ثم فإن هذا الحق يعقبه عادة طرح الثقة بالوزير.
وقد ورد النص على هذا الحق في دستور مملكة البحرين فالمادة (65) نصت بم يلي:
(يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء من مجلس النواب على الأقل أن يوجه إلى أي من
الوزراء استجواب عن الأمور الداخلة في اختصاصه، ول يجوز أن يكون الاستجواب متعلق بمصلحة
خاصة بالمستجوب أو بأقاربه حتى الدرجة الرابعة أو بأحد موكليه).
ولا تُجرى المناقشة في الاستجواب إلا بعد ثمانية أيام على الأقل من يوم تقديمه، ما
لم يوافق الوزير على تعجيل هذه المناقشة.
ويجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح موضوع الثقة بالوزير على مجلس النواب وفق لأحكام المادة
(66) من هذا الدستور.
وقد عمل الشارع الدستوري والقانوني في مسألة الاستجواب على تأكيده في الوثيقة الدستورية
كإحدى الأدوات الرقابية المهمة لمجلس النواب ثم أشار إليه في اللائحة الداخلية بأن
وضع له قواعد قانونية إجرائية عامة، ليكون هناك متسع للحركة والاجتهاد وفضاء للمرونة
من أجل تحقيق أفضل تعاون بين الحكومة والمجلس، ومن الخطأ القول بأن هناك قصور تشريعي
أو محدودية في القوانين بمجرد ظهور قضية أو بروز إشكالية أو اختلاف في الرأي حول تفسير
مادة أو مفهوم نص سواء ورد ذلك في الدستور أو اللائحة الداخلية، وإذا كان هناك مأخذ
لشيء من هذا القبيل، فإن مرده هو محدودية الفقهاء الدستوريين البحرينيين وندرة المختصين
في هذا المجال، فمن المعلوم أن الدستور البحريني بعد التعديلات التي أدخلت عليه أصبح
أكثر قرب من الواقع المعاش للمواطنين، وأكثر ملامسه لخصوصية المجتمع البحريني، ولذلك
أصبح متفرد بكثير من الأحكام والمقتضيات التي لا نجدها إلا في الوثيقة الدستورية البحرينية،
مم يدفع إلى ضرورة وجود نخبة قانونية متخصصة في علم القانون الدستوري مع امتلاكها معطيات
نظرية وعملية لموضوع الديمقراطية الخاصة بمملكة البحرين، وحبذا لو كانت هذه النخبة
المتخصصة في علم القانون الدستوري من البحرينيين الأدرى بتفاصيل الثقافة المجتمعية
والأعلم بشعاب ودروب الحياة الاجتماعية للمواطنين.
فالقانون مرآة تعكس واقع وحياة الناس وتفاعلهم مع بعضهم، وتفرد الوثيقة الدستورية البحرينية
بكثير من الأحكام والمقتضيات يعني ارتباط المفهوم والتفسير بهذا الحكم أو ذاك المقتضى،
وبهذا الشكل تظهر لدينا اجتهادات ورؤى خاصة بالوثيقة الدستورية البحرينية وم يتفرع
منها من قوانين وأنظمة قد تتفق مع اجتهادات ورُؤى الآخرين وقد لا تتفق وقد تكون بمعزل
عن فضاء الغير.
وبخصوص م يُثار على الساحة السياسية، وم يُسمى بالأزمة النيابية والتي سببها مسألة
الاستجواب، والخلاف حول إجراءاته المفروضة وطريقة مساره، فنعتقد أن الأمر يستدعي فهم
دقيق لمُجْمَلِ مقاصد المواد والنصوص الواردة في اللائحة الداخلية لمجلس النواب، خاصة
المكونة للباب الرابع والذي يتناول أعمال المجلس.
فالمقاصد لابد أن ترتبط ببعضها البعض، ولابد أن تدور في فلك واحد، فهي أشبه بالمنظومة
المترابطة والمتسقة، ومحاولة فهم مادة أو تفسير نص بمعزل عن تلك المنظومة تعتبر تغريد
في خارج السِّرب، وسوف يُؤدي حتم إلى خلل في النظام الشبيه بالجسد الواحد ولأجل مقاربة
قانونية ودستورية لمسألة الاستجواب نطرح مرتكزات المقاربة وهي كم يلي:
أول: المنطق القانوني الدستوري لأعمال مجلس النواب، يدفع إلي توسيع سلطة مجلس النواب،
كم يدعو إلى تقوية أدواره التشريعية والرقابية، ومسألة إدراج الاستجواب على جدول أعمال
المجلس ليتولى هذا الأخير عملية الموافقة عليه أو رفضه، يُحقق السعة المرادة والقوة
المبتغاة للمجلس، أما القول بعدم أحقية المجلس في ممارسة مهمته الأساسية القائمة على
التصويت، فهو تضييق وإضعاف لدور المجلس، مع عدم اتساقه مع المنطق القانوني والدستوري
لأعمال مجلس النواب.
ثاني: الاستجواب شأن سياسي بدليل وقوعه في الفصل المسمى بالشؤون السياسية الواقع في
الباب الرابع من اللائحة الداخلية، ولأنه بهذه الصورة، فإن له من الأحكام التي تختلف
عن أحكام الشؤون الأخرى وبسبب طبيعته المختلفة عن أدوات الرقابة الأخرى وخصوصيته الناتجة
عن الآثار التي قد تترتب عليه، وأهمها سحب الثقة من الوزير، فإن من يملك تفعيله، هو
المجلس الذي يُعبر عن رأيه أغلبية أعضائه نتيجة التصويت، وليس الخمسة أعضاء فأكثر الذين
لهم فقط حق توجيه الاستجواب في هذه المرحلة الأولى والتي تليها مراحل أخرى يكون للمستجوبين
فيها حق مناقشة الاستجواب.
ثالث: الرأي القائل بعدم عرض الاستجواب على المجلس ليتولى هذا الأخير مهمته الأساسية
نحوه، يعتبر رأي غير متوافق مع صحيح عملية التشريع والرقابة وذلك لسبب أنه لو أراد
الشارع وهو يتولى وضع اللائحة الداخلية إحالة الاستجواب مباشرة إلى اللجنة المختصة
لصّرح بذلك كما فعل (بالمراسيم بقوانين) حيث نص بخصوصها صراحة في المادة (122) على
أنه يحيل رئيس المجلس المراسيم بقوانين التي تصدر بالتطبيق للمادة (38) من الدستور
إلى اللجان المختصة لإبداء رأيها فيه... ولكنه لم يفعل ذلك، بخصوص مسألة الاستجواب
بل صرح في المادة (146) على أن يدرج الاستجواب في جدول أعمال المجلس (ويدرج الاستجواب
في جدول أعمال المجلس....) مم يعني أن المجلس هو الذي يقرر مصير الاستجواب لإحالته
إلى اللجنة المختصة بعد الموافقة عليه.
رابع: كما أشرنا سابق يُعتبر الاستجواب أداة رقابة وليس مسألة تشريع، وهو من الوسائل
التي ترتبط بمواضيع وأطروحات سياسية، وعلى المجلس قبل أن يُدرك ويَعرف مدى صحته دستوري
بشكل نهائي وبات، (وليس بشكل أولي وابتدائي كما هو مُقَرَّر إجرائي لرئيس المجلس ومكتبه)
أن يوافق عليه أو يرفضه، ويسقط الاستجواب إذا لم يتم الموافقة عليه، أَمَّا إذا تَّمت
الموافقة عليه فيجب إحالته إلى اللجنة المختصة وللمجلس بعد ذلك أن ينظر في التقرير
المقدم من اللجنة ويُقرر بشأنه م يشاء حسب الدستور ونظام اللائحة. وأعتقد أخير أن الممارسات
والواقع السياسي للفاعلين السياسيين، قد تركا أثر سلبي في موضوع فهم وتفسير المواد
والنصوص المعنية بالاستجواب.
دستور
مملكة البحرين
مرسوم
بقانون رقم (15) لسنة 2002 بشأن مجلسي الشورى والنواب
مرسوم
بقانون رقم (54) لسنة 2002 بشأن اللائحة الداخلية لمجلس النواب
مرسوم
بقانون رقم (12) لسنة 1972 بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة