الوطن - السبت 29 مارس 2008م - العدد 840
المساءلة الجنائية لرؤساء التحرير في جرائم النشر هل تحمل مخالفة دستورية؟
كتب(ت)إبتسام علي:
بين الحين والآخر تشهد قاعات المحاكم جلسات جديدة لإحدى القضايا التي تتعلق بدعاوى
النشر والإعلام، ورغم حساسية ذلك النوع من القضايا خاصة وأن الحديث في تفاصيله يمتد
ليتناول الحديث عن مساحة الديموقراطية والحرية التي يمارسها المجتمع بشكل عام والحرية
الصحفية والإعلامية بشكل أكثر تحديد وخصوصية، إلا أن بعض هذه القضاي - على المستوى
القانوني - يحمل في طياته الكثير من التفاصيل الدستورية التي تدفع جميع أطرافها إلى
الإعلان عن تأجيل الحكم النهائي فيها إلا بعد الاطلاع الدقيق على أوراقها، ولعل القضية
الأخيرة التي رفعتها إحدى الفنانات البحرينيات ضد رئيس تحرير جريدة الوطن وواحد من
كتابها دفعت صفحة '' حكمت المحكمة '' إلى مزيد من البحث والتقصي في سطور أوراقه ...
في البداية أوضحت المحامية مهناز أكبر قائلة : ''الأصل في الجريمة أن عقوبتها
لايتحملها إلا من ارتكبها بكامل إرادته والقائم على اختياره الحر وهذا ما أكدت عليه
الشريعة الإسلامية السمحاء بم يتعلق بالمسؤولية الجنائية والعقوبة - بما أن كلتاهما
شخصية- حيث تكون العقوبة المقررة للجاني مناسبة مع الجريمة محل العقوبة استناد لقوله
تعالى ( من اهتدى فإنم يهتدى لنفسه ومن ضل فإنم يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى وما
كنا معذبين حتى نبعث رسول) ( سورة الاسراء آيه 14 ص 283 )) وكذلك قوله عزوجل (إن تكفروا
فإن الله غنى عنكم ولايرضى لعبادة الكفر وإن تشكرو يرضه لكم ولاتزر وازرة وزر أخرى
ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور) ( سورة الزمر آيه
6 صفحه 459).
؟ العقوبة يجب أن ترتبط مع طبيعة الجريمة
فالعقوبة يجب أن ترتبط وطأتها مع طبيعة الجريمة موضوعها بم يعني أن الشخص ل يزر غير
سوء عمله مم يدل على وجوب شخصية العقوبة وهو مبدأ في المساءلة والعقوبة الجنائية حيث
قيام الجريمة يفترض أن يكون متلائم ملامحه مع الشخصية الفردية للجاني في توجيهها، فالجريمة
تقوم على ركنين إحداها مادي والآخر معنوي فالأول هو إتيان الجاني للسلوك المادي الخارجي
للفعل بإراده حرة والثاني هو القصد الجنائي للجاني بإتيان الفعل مع علمه بعناصر الجريمة،
وحيث أكد دستور مملكة البحرين في نص المادة ( 20 بند ب) بأنه ( ب- العقوبة شخصية) ولكن
توجد نصوص قانونية تخالف ما أقره الدستور ومنها مانص عليه في قانون العقوبات بالنسبة
للجرائم التي تقع بطريق العلانية ومنها جرائم النشر وما نص عليه في قانون الصحافة والطباعة
والنشر وسوف نشير إليهما بالتفصيل بعد قليل، فمفهوم تلك النصوص هو معاقبة رئيس تحرير
الجريدة أو المحرر المسؤول عن القسم الذي حصل فيه النشر في حال إذ لم يكن ثمة رئيس
تحرير بصفته فاعل للجرائم التي ارتكبت بواسطة صحيفته وذلك بموجب نص المادة(93) من قانون
العقوبات التي نصت( مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو واضع
الرسم أو المسؤول عن القسم الذي حصل فيه النشر، ومع ذلك فلا مسؤولية عليه إذا قام في
أثناء التحقيق الابتدائي بإثبات أن النشر حصل بدون علمه وقدم كل مالديه من المعلومات
أو الأوراق المساعدة على معرفة الناشر الفعلي أو بالإرشاد عن مرتكب الجريمة وقدم كل
مالديه من المعلومات لإثبات مسؤوليته أو بإثبات أنه لو لم يقم بالنشر لعرض نفسه لفقد
وظيفته في الصحيفة أو لضرر جسيم آخر) وبمقابل هذا النص نصت المادة (74) من المرسوم
بقانون رقم (47) لسنة 2002م بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر بأنه ( مع عدم الإخلال
بالمسؤولية الجنائية بالنسبة لكاتب المقال أوالمؤلف أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق
التعبير، يعاقب رئيس التحرير عم ينشر فى الصحيفة ولو تعددت أقسامها وكان لكل منها محرر
مسؤول عن القسم الذى حصل فيه النشر.
وتكون الصحف مسؤولة بالتضامن مع محرريها عن التعويضات المحكوم بها للغير من جراء النشر)
.
؟ المخالفة لنص الدستور
واستطردت المحامية مهناز :'' من خلال تلك النصوص يتضح مخالفتها لما نص عليه الدستور
وأقره والمتمثل في براءة المتهم وصون الحرية الشخصية حيث نود الإشارة أن المحكمة الدستورية
العليا المصرية قد أصدرت حكمها بعدم دستورية مانصت عليه الفقرة الأولى من المادة (195)
من قانون العقوبات المصري من معاقبة رئيس تحرير الجريدة أو المحرر المسؤول عن قسمه
الذى حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير بصفته فاعل أصلي للجرائم التي ترتكب
بواسطة صحيفته وبسقوط الفقرة الثانية لتلك المادة وذلك في القضية رقم 59 قضائية دستورية
بجلسة 1 فبراير لسنة 1997م حيث تم نشر الحكم في الجريدة الرسمية عدد 7 في تاريخ 13فبراير
1997 فقد أشار الحكم إلى النقاط السالفة التي استعرضناها وإلى أنه لايجوز أن تأتي السلطة
التشريعية عمل يخل بهما وذلك بانتحالها الاختصاص المخول للسلطة القضائية في مجال التحقيق
من قيام الجريمة بأركانها التي حددها المشرع بما في ذلك القصد الجنائي إذا كان متطلب
فيها، فنص المادة (93) عقوبات - وهي نظير نص المادة 195 عقوبات مصري) أشارت إلى حصول
الإذن في النشر الصادر عن رئيس التحرير للجريدة مم يفيد علمه يقين بالمادة التي تضمنها
المقال بكل تفاصيله وأن محتواه يكون جريمة يعاقب عليه قصد رئيس التحرير إلى ارتكابها
وتحقيق نتيجتها مقيمةً نص المادة تلك قرينة قانونية يحل فيها هذا الإذن محل القصد
الجنائي وتعفيه إذا أثبت أن النشر تم بدون علمه الذي هو حقيقة الأمر لا صواب فيه، كما
أكد عليه الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا المصرية سالف الذكر فإتمام النشر
دون العلم ليس كاف وفق للإعفاء بل يتعين على رئيس التحرير حتى يتخلص من التهم- طبق
لنص المادة- تقديم كافة الأوراق والمعلومات لجهة التحقيق لمعرفة المسؤول عما نشر بما
مؤداه قيام مسؤولية رئيس التحرير جنائي ولو لم يباشر دور في إحداثها إضافة إلى أن نص
المادة تواجه رئيس التحرير بواقعة أثبتتها القرينة القانونية في حقه دونما دليل يظاهرها
ومكلف رئيس التحرير بنفيها خلاف لافتراض البراءة الأمر الذي يدل على تناقض نصي المواد
التي تجرم رئيس التحرير لشخصية المسؤولية الجنائية التي تفترض أل يكون الشخص مسؤول
عن الجريمة ولا أن تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره فاعل لها أو شريك فيها، فل يتصور
في جريدة تتعدد صفحاتها وتتزاحم مقالاتها وتتعدد مقاصدها وأن يكون رئيس التحرير
محيط بها جميع نافذ إلى محتوياتها ممحص بعين ثاقبة كل جزئياتها ول يزن كل عبارة تضمنتها
بافتراض سوء نية من كتبها ولا أن يقيسها وفق ضوابط قانونية قد يدقق الأمر بشأنها فلا
تتحد تطبيقاتها فرئيس التحرير لو أذن بالنشر لايكون قد أتى عمل مكون لجريمة يكون به
فاعل مع غيره، ذلك أن الشخص لايعتبر فاعل للجريمة إلا من خلال أعمال باشرها تتصل بها
وتعتبر تنفيذ لها فلو افترضت نص المادة (93) مسؤولية رئيس التحرير جنائي وذلك بصفته
تلك وأنه من يتولى شؤون الجريدة باعتباره مشرف عليها فمناطها لايكون إلا الإهمال في
الإدارة وبالتالي فالإهمال والجريمة العمدية نقيضان لايتلاقيان وتجريم رئيس على إهمال
غير صحيح مخالف لأحكام الدستور .
فالدستور كفل للصحافة حريتها ولم يجز إنذارها أو وقوفها أو إلغائها بم يحول كأصل عام
دون التدخل في شؤونها أو إرهاقها بقيود ترد رسالتها على أعقابها أو إضعافها من خلال
تقليص دورها في بناء مجتمعها وتطويره حيث كرس الدستور القيمة الجوهرية لحرية الصحافة
و تصدر الحوار بدل من القهر والتسلط وذلك لمعرفة واطلاع المواطنين على الحقائق التي
لايجوز حجبها عنهم فلايجوز قيد حرية الألسن والأقلام وهي التي تسعى وتسهر على إيصال
المعلومات و الحقائق لكافة الناس.
؟ محاكمة غير دستورية
من جانبه أشار المحامي فريد غازي إن محاكمة رؤوساء التحرير محاكمة غير دستورية وإذا
وجد نص يخالف ذلك فإنه مخالف للدستور موضح : '' أول كمبدأ مع حرية الصحافة (رقم واحد)
وضد حبس الصحفي بأي صورة كانت متى ما كان الموضوع موضوعي ويتفق مع حرية الصحافة وضد
نصوص في قانون الصحافة من شأنها أن تعاقب الصحفي .
أنا أؤمن بأن الصحفي يطبق عليه م يطبق بقانون العقوبات إذا كان لذلك مقتضى وذلك بسبب،
إننا في الوطن العربي بالتحديد، نتخذ من الصحافة أداة من الانتقام من الصحفيين وحرية
النشر وإننا في الشرق الأوسط دائم لدينا وعي بالدكتاتورية وهي نقيض الديمقراطية فننتقم
من حرية الصحافة بإقرار قانون لمعاقبتهم ومحاسبتهم انتقام لحريتهم في إبداء الرأى فبطبيعة
الحال أن المحاكمة الجنائية هي محاكمة شخصية ولايمكن أن تطول إلا شخص صاحبها وعليه
فإن مساءلة رئيس التحرير هي من ضمن القواعد القانونية في المحاكم الدستورية بأن ذلك
غير دستوري وأي نص يوجد في القوانين التي تحد من عمل الصحافة بمعاقبة رئيس التحرير
هو أمر غير دستوري.
فهنالك فرق بين حرية الرأي والتعبير والتجريح والتشهير بأي شخص فيحمي ذلك قانون العقوبات
وما استقر ذلك في قواعد المحاكم فإيجاد نصوص مستقلة في معاقبة رئيس التحرير والصحفي
وإيجاد عقوبات الحبس بشكل مستقل عن قانون العقوبات فأجزم في ذلك بأن ذلك معادي للديمقراطية
وحرية الصحافة .
فالتطبيقات العملية في مملكة البحرين بمعاقبة الصحفيين هي تجربة غير ناجحة وآثارها
على الصحفيين بادية للعيان فأنا شخصي أؤمن بأن كل صحفي وكل صحفية لديهما مسؤولية وطنية
ل يجروءا على جعل أعراض الناس وأسمائهم واعتباراتهم محل للتجريح وإن حدث ذلك فهذ يعتبر
من الزلل الصحفي الذي يمكن معالجته برد الاعتبار للشخص بذات الموقع وأنا أثق في جميع
رؤساء تحرير الصحف المحلية، بأنهم على وعي وعلى مستوى من الرقابة الذاتية التي يتحملون
معها الأمانة الصحفية، وعليه فأؤكد بأن محاكمة رئيس التحرير محاكمة غير دستورية وإذا
وجد نص يخالف ذلك فإنه مخالف للدستور.
دستور
مملكة البحرين
قانون
الصحافة
مرسوم
بقانون رقم (15) لسنة 1976 بإصدار قانون
العقوبات
مرسوم
بقانون بشأن إنشاء مجلس تأسيسي لإعداد دستور للدولة
مرسوم
بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم
الصحافة والطباعة
والنشر