الوسط -الاحد 4 مايو 2008
-العدد 2057
الصحافة
البحرينية ومسلســل قـــــانون الصحافة المكسيكي الطويل
جسد ممزق، فوضــى خــــانقة، ونواب يتربصون
الوسط
- عادل مرزوق
تبدو المطالبات بقانون صحافة متطور وديمقراطي على أشدها، أقلها ما ورد في توصيات جنيف،
وأكثرها التوصيات والدعوات الواضحة في الكثير من الخطابات والكلمات الملكية في أكثر
من مناسبة، إلا أن ذلك كله بطريقة أو أخرى، قد يصطدم اليوم أو غداً بإرادة المؤسسة
التشريعية في الغرفة المنتخبة، وخصوصاً أن الكثير من المؤشرات تؤكد أن هذا القانون
- سواء في نسخة الشورى المتفق عليها من قبل الجسم الصحافي أو في نسخة التعديل الحكومية
على قانون 2002 - لن يمر من دون أن يكون للصحافيين البحرينيين نصيبهم من التلويح المباشر
بالسجن.
لا يمثل الانتهاء لنتيجة سجن الصحافي البحريني في مجلس النواب سابقة بحرينية، بقدر
ما يمثل تأكيداً لسيرة سجن الصحافي في البحرين. فعقوبة السجن التي أقرتها مواد قانون
الصحافة المؤقت العام 1954 ستكون موجودة في قانون 2008، وهو ما يؤكد هذا التلازم التاريخي
بين هذين الطرفين: الصحافي البحريني والسجن على امتداد أكثر من خمسين سنة ماضية.
الكثير من التقارير تؤكد أن مجمل العلاقات بين الكتل النيابية في البحرين والمؤسسات
الصحافية لا تبدو على ما يرام، وهو ما يؤكد التوقعات التي تذهب إلى أن هناك ما يشبه
الترصد من قبل النواب للمؤسسات الصحافية عبر مناقشة قانون الصحافة، وهو ما قد ينتهي
بمضاعفة العقوبات على الصحف والوصول إلى قانون صحافة يضمن للنواب السيطرة على الجسم
الصحافي البحريني وشل حركته تماماً.
سيرة السجن في البحرين
يتناول الصحافي البحريني هلال الشايجي في كتابه (الصحافة في الكويت والبحرين منذ نشأتها
حتى عهد الاستقلال) قانون الصحافة البحريني المؤقت العام 1954، ويذكر في توثيقه لمواد
قانون الجزاءات الشخصية هاتين المادتين: «أي شخص خاضع لسلطتنا القضائية يطبع أو ينشر
أو يبيع أي مطبوعات أو جرائد أو أي نشرات تتضمن مسائل مثيرة للفتن وعند إدانته بذلك
سيعرض نفسه لعقوبة سجن لا تزيد على عامين أو بغرامة لا تزيد على ألف وخمسمئة روبية
(1500) أو بكلتا العقوبتين معاً، أو بالإضافة إلى العقوبتين المذكورتين أو بدلاً منهما
سيطلب منه كفيلاً يضمن سلوكه الحسن». الثانية: «أي مسألة من شأنها إثارة الشغب أو التشويش
أو إثارة عداوة بين رعايا البحرين والآخرين أو بين مختلف الطبقات أو بين الأشخاص الذين
ينتمون إلى مذاهب دينية مختلفة أو بين حاكم البلاد ورعاياه فإنها ستعتبر مسألة مثيرة
للفتن وذلك بموجب معنى هذا القانون»، ومثير الفتن عقوبته «السجن».
في قانون المطبوعات والنشر 1965، يذهب المُشرع القانوني إلى اعتبار مواد «الجزاءات
الشخصية» هي من تتولى مهمة فرض العقوبات القانونية على الصحافي، وهو ما يشير إلى أن
الحال على ما كان عليه في قانون 1954، لم يتغير.
أما أول تنظير للسجن «القانوني» في البحرين فقد بدأ منذ مطلع قانون 1979، وكانت مواد
السجن على النحو الآتي كما وردت في نص القانون حرفياً:
1. المادة (12) في شأن من يخالف المواد المتعلقة بتنظيم المطابع والمطبوعات «بالحبس
مدة لا تجاوز سنة أو بغرامة لا تجاوز ألف دينار أو بالعقوبتين معاً. مع جواز الحكم
بغلق المطبعة ومصادرة المطبوعات».
2. المادة (18) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تجاوز ألفي دينار
أو بالعقوبتين معاً «كل من فتح أو أدار مكتبة بغير ترخيص أو نشر أو تداول مطبوعات لم
يؤذن في تداولها أو صدر قرار بمنع تداولها أو إدخالها للبلاد أو صودرت نسخها طبقاً
لمواد الأحكام السابقة».
3. المادة رقم (41) يعاقب من يخالف قائمة المحظورات بالحبس أو بغرامة لا تزيد على ألف
دينار أو بالعقوبتين معاً. وفي حال العود خلال ثلاث سنوات من تاريخ الحكم النهائي في
الجريمة السابقة تكون العقوبة السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات أو بغرامة لا تزيد عن
ألفي دينار أو بالعقوبتين معاً.
4. المادة (58) إذا استمرت الصحيفة بالظهور، بعد صدور قرار تعطيلها أو إيقافها أو إلغاء
ترخيصها، يعاقب مالك الصحيفة ورئيس تحريرها بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة ولا تقل
عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ألفي دينار أو بالعقوبتين معاً.
مع بدء المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، كان من المفترض أن يكون للجنة تفعيل الميثاق
دورها في صوغ قانون جديد للصحافة بالتوافق مع الجسم الصحافي البحريني، إلا أن الحكومة
فاجأت الجميع بقانون الصحافة المعمول به حالياً في العام 2002، واحتوى القانون بالإضافة
إلى علاته العدة، ثلاث مواد تذهب إلى سجن الصحافي وهي:
1. «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تزيد على ألفي دينار أو
بالعقوبتين معاً». ويقصر القانون العقوبة على الجريمتين الآتيتين، أولاً: إنشاء مؤسسة
من المؤسسات المذكورة في المادتين (4) و(6) من قانون المطبوعات أو مزاولة مهنة فيها
من دون الحصول على ترخيص. ثانياً: عند طباعة مطبوع من دون الحصول على إذن كتابي من
مالكه الأصلي أو خلفه.
2. تقرر المادة (22) بالنسبة إلى من كل من فتح أو أدار مكتبة بغير ترخيص أو نشر أو
تداول مطبوعات لم يؤذن في تداولها أو صدر قرار بمنع تداولها أو إدخالها للبلاد أو صودرت
نسخها طبقاً لمواد الأحكام السابقة معاقبته «بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة
لا تزيد على ألف دينار أو بالعقوبتين معاً».
3. المادة (86): إذا استمرت الصحيفة بالظهور، بعد صدور قرار تعطيلها أو إيقافها أو
إلغاء ترخيصها يعاقب المرخص له ورئيس تحريرها أو المحرر المسئول والطابع والناشر بالحبس
مدة لا تزيد على ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز خمسة آلاف دينار أو بالعقوبتين معاً.
القانون تمت مواجهته بمعارضة حادة من قبل الصحافيين، وإن كان لنا أن نقر باختلاف أسباب
المعارضة للقانون، فإن الجزئية التي تم الاتفاق على رفضها هي إقرار عقوبة «سجن الصحافي»
في مواد القانون، كما أن الإحالات المبهمة لقانون العقوبات يمكن اعتبارها الطريقة الأكثر
تهذيباً في سجن الصحافي.
عملياً، الحكومة تنبهت إلى هذه المعارضة للقانون، وكان القانون منذ عام إصداره حتى
يومنا الحاضر أشبه بـ «المعطل»، على رغم أن الكثير من القضايا والمحاكمات كان قد تم
البدء فيها تحت ظل قانون 2002، وشملت هذه القضايا الكثير من الصحافيين.
الانتقادات الموجهة للصحافة البحرينية
تتركز الانتقادات الموجه إلى الصحافة البحرينية على أن المشروع الإصلاحي الذي أعطى
الضوء الأخضر بالسماح للمزيد من الصحف البحرينية في الصدور، قد أدى إلى حال من الفوضى
التي تضمنت الإساءة للشخصيات العامة والخروج عن الواجبات التي من المفترض أن تضطلع
الصحافة البحرينية بها. وأن هذه الفوضى قد تسببت في أكثر من مرة، في خروج الصحافة البحرينية
عن القواعد المهنية والأخلاقية للمهنة.
هذا الاتهام لم ينكره الصحافيون عموماً، فقد أكد الكثير من الصحافيين أن الصحافة البحرينية
التي تمر بمرحلة انتقالية مهمة، تحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تتضح خطوطها وملامحها
العامة، وخصوصاً أن زيادة عدد الصحف اليومية الصادرة قد أدى إلى أن تلجأ بعض الصحف
إلى الاستفادة من خدمات بعض الصحافيين قليلي الكفاءة، كما أن الأجواء السياسية قد تسببت
في أن تنحاز طبقة من الصحافيين لتغليب المصالح الأيديولوجية على الأخلاقيات المهنية
والأعراف المتعلقة بآداب المهنة.
وقبالة هذا الاعتراف بهذا الخلل في الصحافة البحرينية، رفضت هذه الأوساط اتخاذ مثل
هذه المشكلة الوقتية التي ستنتهي، ذريعة لتشريع أحكام قانونية تقضي بسجن الصحافي، ورفضت
أيضاً، أن يتم تفسير هذا الموقف باعتباره رغبة من الصحافيين في الحصول على حصانة قانونية
عامة.
وأكدت الأوساط الصحافية البحرينية أن حماية الصحافيين من السجن هي حماية مقتصرة على
ما يتعلق بالنشر، معتبرة هذه الضمانة بمثابة الضمانة التي تجمع عليها اليوم شتى التجارب
الصحافية الحديثة في الديمقراطيات العريقة. وأن هذه الضمانات هي إعلان حماية للصحافيين
وتشجيع لهم على أداء مهام عملهم من دون تهديدهم بأية وسيلة كانت.
الصحافيون والجسد الممزق
الصحافيون أيضاً، الذين تعصف بهم الكثير من النزاعات المؤسسية والشخصية، باتوا يدركون
أن تجاوزهم لهذه الخلافات هو الطريق الصحيح نحو ممارسة ضغط حقيقي على الكتل النيابية
ومؤسسات المجتمع المدني لمساندة المؤسسات الصحافية في مطالباتها بقانون عصري ومتطور،
لا تحتوي أي من مواده على سجن الصحافي عقابياً، كما لا يحيل في أي من مواده إلى قانون
العقوبات.
لكن الملاحظ، أن الجسم الصحافي في البحرين يبدو عاجزاً وغير قادر على تجاوز صراعاته
الداخلية، التي تسببت سواء عبر الانقسام المؤسسي أو حتى العزوف عن إجراء أي نشاطات
تنسيقية بين الصحف، في أن تكون كلمة الصحافيين، حتى فيما يتعلق بقانون الصحافة، منقسمة
في بعض الأحوال... وصولاً إلى مطالبة البعض بإقرار عقوبة السجن.
يتنبأ العارفون بخبايا الصحافة في البحرين بأن هذه الحال قد تتغير خلال السنتين المقبلتين،
وخصوصاً إذا ما رافق استقرار السوق الصحافية استقرار مقابل في العملية السياسية داخل
المجلس النيابي وخارجه، إلا أن البعض الآخر يؤكد، أن الأمراض التي تعصف بالصحافة في
البحرين هي أمراض مزمنة ومن الصعب تجاوزها خلال الفترة المقبلة. وهو ما يتطلب بالأساس
تحفيز مستوى إدراك الصحافيين أنفسهم لهذه المشكلة قبل غيرهم، وهو ما يتطلب أيضاً، ترميم
الهوة بين الصحف وتقييم التجارب كل على حدة، وتصحيح الخيارات من داخل الصحف قبل المطالبة
بتصحيح الإطار القانوني الذي ستعمل فيه.
قانون
رقم (10) لسنة 1954 الصحافة
مرسوم
بقانون رقم (19) لسنة 2001 بإصدار القانون المدني
مرسوم
بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر
إعلان
بشأن الصحافة