جريدة الوطن - الإثنين 3 جمادى
الآخرة 1447هـ -
24 نوفمبر 2025
خبراء وقانونيون:
شراكة تكاملية بين الشريعة والقانون في قضايا المعاملات المالية الإسلامية
ريادة بحرينية بالصيرفة الإسلامية واعتماد معايير «أيوفي»
جاء القانون رقم 14 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون
مصرف البحرين المركزي والمؤسسات المالية، ليضع النقاط على الحروف في جزئية النزاعات
المدنية التي تدخل ضمن نطاق المعاملات الإسلامية، وليوطد العلاقة بين الشريعة
والقانون، وهو ما أكد عليه خبراء وقانونيون بأن مملكة البحرين كانت صاحبة السبق
والرؤية الاستشرافية لإشكاليات الصيرفة الإسلامية وحاجتها لوضع معايير تربط بين
الجانبين، وتواكب التطور عاماً بعد آخر، حيث تم إنشاء هيئة المحاسبة والمراجعة
للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين منذ عام 1991 بقرار من الأمير الراحل الشيخ
عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه، ويعقد مؤتمرها السنوي في المملكة ليناقش
تحديات القطاع المالي الإسلامي المتنامي ومواكبته للتطور التكنولوجي.
وفي عام 2020 صدر القانون رقم 14 بإلزامية التحاكم بالمعايير الشرعية الصادرة من
هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (أيوفي) بين المتعاملين في
المعاملات الإسلامية، ثم صدر قرار رقم (14) لسنة 2020 وحددت الفقرة (ج) من المادة
الثالثة موضوع إخضاع المعاملات والعقود التي تبرمها المؤسسات المالية الخاضعة
لأحكام الشريعة الإسلامية للمعايير الشرعية التي يصدر بتحديدها قرار من المصرف
المركزي، ولا يعتد بأية أحكام أخرى بخلاف تلك المعايير.
وحول الهدف من هذه الفقرة، أشار الخبير في التحكيم والوساطة والشريعة الإسلامية
عيسى الدويشان إلى الشراكة التكاملية بين الشريعة والقانون من حيث الأهمية في تقديم
خدمة قانونية متجانسة تجمع بين الاستشارات القانونية والشرعية تحت مظلة واحدة،
وقال: «لا يخفى أهمية وجود هذه الخدمة للصناعة المصرفية الإسلامية، وذلك تسهيلاً
للمتعاملين وتحقيقاً لمقاصد جلالة الملك المعظم، حيث أصدر قانون رقم 14 لعام 2020
بإلزامية التحاكم بالمعايير الشرعية الصادرة من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات
المالية الإسلامية (أيوفي) بين المتعاملين في المعاملات الإسلامية»، مؤكداً على أنه
يعتبر إنجازاً كبيراً للبحرين على مستوى العالم.
وقال الدويشان: «كانت هناك إشكالية في التحاكم وعقود الإجارة الإسلامية وعقود
الإيجار التي تنتهي بالتملك والمرابحة والاستصناع وغيرها من الموضوعات التي غابت عن
القانونين التجاري والمدني، وقد صدر القانون ليحل هذه المشكلة، حيث صدر بعده مباشرة
قرار محافظ مصرف البحرين المركزي رقم (18) لسنة 2020 بشأن المعايير الحاكم
للمعاملات الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، بالتحاكم إلى معايير (أيوفي)».
وأكد الدويشان أن البحرين تُعد رائدة في هذا الأمر منذ تسعينات القرن الماضي، حين
تم إنشاء هيئة «أيوفي» بقرار من الأمير الراحل عيسى بن سلمان، الذي كانت لديه رؤية
استشرافية لأهمية الموضوع.
من جانبه قال المحامي عارف تقي: «كانت هناك ثغرة أخرى في تطبيق المعايير عند
التحاكم، بسبب أن المحامين غير مؤهلين، ولا توجد معرفة قضائية كافية بالمعايير
والتفاصيل الأخرى، ولذلك بذلت وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف جهوداً كبيرة
بتنظيم دورات تخصصية في التمويل والصيرفة الإسلامية، واليوم يتم التحاكم في
النزاعات القضائية إلى معايير أيوفي، ولذلك يجب أن تكون هناك مظلة واحدة لعاملين في
الشريعة والمحاسبة والقانون وحتى التقارير والخبرة المحاسبية لا يوجد خبراء متخصصون
في هذا القطاع».
وجاء في المادة الأولى من القرار أنه «تخضع كافة المعاملات والعقود المبرمة من قبل
المرخّص لهم الذين يقدمون خدمات مالية طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، للمعايير
الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والمنشورة
على الموقع الإلكتروني الخاص بالمصرف».
وفي المادة الثانية: «لا يؤثر في صحة العقْد أو المعاملة تغَيُّر المعايير لاحقاً
إذا كان إبرام العقْد أو الدخول في المعاملة قد تم طبقاً لمعايير سارية عند إبرام
العقْد أو الدخول في المعاملة».
ما هي معايير «أيوفي»؟
تلعب معايير «أيوفي» دوراً محورياً في ضمان توافق أعمال المؤسسات المالية الإسلامية
مع أحكام الشريعة، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية والثقة في التقارير المالية
وحوكمتها، وقد ساهم اعتماد هذه المعايير على نطاق واسع في توحيد الممارسات وتطوير
صناعة التمويل الإسلامي.
وتصنف معايير «أيوفي» إلى 3 تصنيفات عامة، وهي:
- المعايير الشرعية: وقد أصدرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية
(أيوفي) أكثر من 60 معياراً شرعياً تغطي جوانب مختلفة من الصناعة المالية الإسلامية
- المعايير المحاسبية: وهي معايير تغطي مواضيع متخصصة مثل «المرابحة للآمر
بالشراء»، و«التمويل بالمضاربة»، و«الإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك»،
و«الزكاة»، و«حسابات الاستثمار».
- معايير الحوكمة والتدقيق والأخلاقيات: وهي معايير تركز على ضمان النزاهة
والموثوقية في عمليات المؤسسات المالية الإسلامية، ويتم اعتمادها في مجموعة الدول
ذاتها التي تعتمد المعايير الأخرى.
الشريعة والقانون.. علاقة تكامل
وتعتبر العلاقة بين الشريعة التي تستمد منها معايير «أيوفي»، علاقة وطيدة مع
القانون، حيث أشار المحامي منصور اضرابوه إلى اعتقاد خاطئ يذهب إليه البعض بوجود
تعارض في مساري الشريعة والقانون، أو أنهما متوازيان لا يلتقيان، وقال: «لكن بنظرة
أدق لطبيعة كل منهما تكشف أن العلاقة بينهما أعمق بكثير من مجرد مقارنة بين نص ديني
ونص وضعي؛ إنها علاقة تاريخ طويل من التأثير المتبادل، وواقع عملي يعكس قدراً
كبيراً من التكامل، فالشريعة منظومة قيم قبل أن تكون نصوصاً، كما أنها لم تُبنَ فقط
على قواعد جامدة، بل على مقاصد عامة تهدف إلى حماية الإنسان وحقوقه الأساسية في حفظ
النفس والدين والعقل والمال والنسل، وهذه المقاصد شكلت عبر التاريخ مرجعية مبدئية
لكل اجتهاد قانوني أو قضائي، وأثّرت بشكل مباشر في تطور الأنظمة القانونية داخل
العديد من الدول العربية والإسلامية».
وأوضح اضرابوه أن القانون يضعه المشرّع كأداة لتنظيم المجتمع بحيث يكون إطاراً
تنظيمياً لضبط العلاقات داخل المجتمع، ورغم أنه يستند إلى مبادئ حديثة مثل العدالة
والمساواة وحقوق الإنسان، إلا أن هذه المبادئ ذاتها تتقاطع مع جوهر الشريعة التي
رسّخت هذه القيم قبل قرون طويلة.
وذكر أن الترابط بين الشريعة والقانون يظهر بوضوح في عدة جوانب:
أولها أن معظم القوانين المدنية والجنائية والأحوال الشخصية في البلدان العربية
تستلهم قواعدها أو روحها من الشريعة. حتى عندما تُستورد بعض القواعد من أنظمة
قانونية أجنبية، يبقى شرط اتساقها مع «المبادئ العامة للشريعة» حاضراً.
وثانيها أن القضاء يعتمد في كثير من الاجتهادات القضائية على قواعد مستمدة من
الفقه، خصوصاً في مسائل الأسرة، والمواريث، وبعض العقود. ويؤكد هذا التناغم بين
الشريعة والقانون وحدة القيم المشتركة: العدل، رفع الضرر، احترام الحقوق، حماية
الضعيف فهذه ليست مجرد شعارات قانونية، بل مبادئ شرعية أصيلة.
وتفسيرا لنص المادة الثانية من القرار رقم 18 لسنة 2020 التي تقول «لا يؤثر في صحة
العقد أو المعاملة تغيير المعايير لاحقًا إذا كان إبرام العقد أو الدخول في
المعاملة قد تم طبقًا لمعايير سارية عند إبرام العقد أو الدخول في المعاملة».
وأوضح المحامي عبدالرحمن غنيم أن المقصود بـالمعايير، بأنها القواعد أو الضوابط
الشرعية أو المصرفية أو المالية التي تحكم المعاملات وفقًا لأحكام الشريعة
الإسلامية وعليه إذا تم عقد صفقة أو معاملة وفقًا للمعايير المعمول بها وقتها، فإن
أي تغيير لاحق في هذه المعايير لا يبطل أو يؤثر على صحة هذه الصفقة، وذلك حماية من
المشرع للعقود السابقة لأي تغيير للمعايير من التأثيرات القانونية لأي تحديثات
مستقبلية في القواعد.
وأشار غنيم إلى أن الغاية من ذلك هو ضمان الاستقرار القانوني والتجاري، حتى لا
تتأثر المعاملات السابقة بتغير القوانين أو المعايير لاحقًا، وحفاظا علي استقرار
المعاملات المالية الإسلامية، من تعديل المعايير الشرعية أو المصرفية مع تغيير
الزمان والمكان في المستقبل بمعني إذا أبرم شخص أو مؤسسة عقدًا وفق القواعد المعمول
بها آنذاك، فإن أي تغييرات مستقبلية في هذه القواعد لن تُلغي العقد، أو تجعله
مخالفًا للمعايير الشرعية الجديدة والهدف من هذا النص هو حماية حقوق المتعاملين
وضمان استقرار المعاملات المالية، وعدم تحميلهم أعباء أو تبعات تغييرات لم تكن
سارية وقت توقيع العقود.
وأكد أن هذا التوجيه القانوني المصرفي في المعاملات المالية الإسلامية، يمنع أي جدل
قانوني أو نزاعات محتملة نتيجة تغييرات لاحقة في المعايير وحماية للعملاء من أي
تبعات قانونية أو مالية نتيجة تحديث المعايير في المستقبل، وهو ما يعزز الاستقرار
والثقة في المعاملات المالية الإسلامية.