الوسط -الأحد 22 يونيو 2008
-العدد 2116
البحــرينيون
فقــدوا الأمــل وألقــــوا نظــــرة الوداع علــى سواحلهم
كارثة بيئية بسبب تدمير السواحل والقرارات الحــكومية حبيسة الأدراج
الوسط
- سعيد محمد
على مدى سبعة عقود، أو ما يقارب السبعين عاماً مضت منذ العام 1931 حتى اليوم، واجهت
مملكة البحرين ولاتزال، خطر تدمير السواحل والبيئة البحرية بصورة مثيرة للقلق من ناحية
تزايد المخاطر، ومثيرة للاستغراب من ناحية أخرى بسبب الصمت الحكومي على ما يجري من
تدمير لمصدر مهم من مصادر الأمن الغذائي.
منذ مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي حتى اليوم، زادت المساحات المدفونة من السواحل
على 300 كيلومتر مربع! وخلال السنوات الست الماضية، أقبرت عمليات الدفن 16 كيلومتراً
من السواحل، ما دفع البحرينيون لإلقاء نظرة الوداع على سواحلهم في أكثر من مسيرة واعتصام
وتظاهر ورفض وشجب، لكن القرارات الحكومية بقيت حبيسة الأدراج، واقتصرت على «مانشيتات
صحافية» لم تنقد البيئة البحرية البحرينية مما فيها من «كارثة».
معلومات تكشف حجم الخسارة
الناشطون البيئيون والمدافعون عن البيئة لم يصمتوا قط إزاء ما يحدث من تدمير أفقد السواحل
مقوماتها البيولوجية بصورة ظهرت نتائجها السلبية من خلال القضاء على المصائد الطبيعية
وانخفاض مخيف في الثروة السمكية، وتدمير تام لبيئة أشجار القرم، حتى أن الناشط البيئي
غازي المرباطي فجر كارثة ردم الكيلومترات المربعة البحرية الثلاثمئة مستنداً إلى وثائق
ومعلومات كشفت حجم الخسارة التي تعرضت ولاتزال تتعرض لها البيئة الساحلية البحرينية،
استقاها من جهاز المساحة والتسجيل العقاري بمملكة البحرين الذي أشار في آخر بياناته
إلى أن البحرين جزيرة مساحتها الكلية 8269 كم2 وتبلغ المساحة الكلية لليابسة 717 كم2
والمساحة الكلية للمياه البحرية 7552 كم2، وتقدر مساحة المياه البحرية قياساً لليابسة
91 في المئة من المساحة الكلية.
بلادنا «البحرين»... الجزيرة الخليجية العريقة ذات الجذور الممتدة في عمق التاريخ...
المحاطة بالبحر من جهاتها الأربع... بلا سواحل!
لقد تدمرت السواحل تدميراً جائراً طوال العقود السبعة الماضية، فيما بقيت القرارات
الحكومية والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية البيئة البحرية ومنها اتفاقية «رامسار»
والقرارات الرسمية حبيسة الأدراج لكن النتيجة الواضحة التي لا تغفلها العين هي: نفوق
مستمر للأسماك يمثل تهديداً للأمن الغذائي... تلوث خطير، وحوادث مؤسفة من قبيل وفاة
طفلين من منطقة سترة صبيحة يوم 27 أبريل/ نيسان 2008 في حادثة «قناة الموت» حيث قضيا
غرقاً أثناء السباحة في منطقة شاطئية حفرت فيها قناة بارتفاع 4 أمتار وبطول 100 متر.
«التماسيح»... أي خطر هذا!
ولعل أخطر تساؤل على الإطلاق، هو ذلك الذي حملته رئيسة جمعية أصدقاء البيئة خولة المهندي
التي تساءلت مراراً عن المسئول عما أسمته «الفوضى البيئية»، وعمن ستتم محاكمته في حال
تعرض أحد الأطفال للخطر من قبيل أفعى دخيلة أو تمساح في البحر؟ تقصد بذلك، وعلاوة على
التدمير المتواصل للسواحل بسبب المشروعات الكبرى، خطر الكائنات الدخيلة على بحار البحرين
وبيئتها يتم جلبها من دول أخرى وتباع في الأسواق دون حسيب أو رقيب، بعد مشاهدة تماسيح
في بعض سواحل البحرين، وبالتحديد في خليج توبلي.
فهي تتابع أوضاع السواحل التي تعاني من التدمير والتخريب المستمرين، وما زاد حدة الأمر
جلب كائناتٍ دخيلة من الدول الأخرى وإطلاقها في بيئتنا لتدخل ضمن أنظمة حيوية متزنة
فتتسبب في اختلالها، والتأثير سلباً على التنوع الحيوي ضمنها... تلك الأفاعي والتماسيح،
يشتريها الأطفال صغيرة جداً، وخصوصاً من المعارض البيئية الدولية التي تنظم في البلاد،
ثم ما يلبثوا أن يطلقوها في البحار لتكبر وتبدأ أسنانها الحادة بالقيام بعملها الفطري.
المخطط الاستراتيجي الهيكلي
ومع اعتماد المخطط الاستراتيجي الهيكلي للبلاد في الثالث عشر من شهر أبريل/ نيسان من
العام الجاري بالمرسوم رقم 24 لسنة 2008، والذي يلزم الجهات المعنية كافة العمل بمقتضاه
لدى إعداد واعتماد المخططات العامة والتفصيلية، فإن قلق الناشط البيئي غازي المرباطي
تمحور على سؤال مهم وهو: «كيف سيوفر لنا المخطط «السواحل» في ظل هذه المعطيات التي
تدور حول المخطط بكونه سيعتمد عمليات الردم والحفر لإيجاد الأراضي والسواحل؟ وسأذهب
في وصفي بعيداً حيث تعرضت السواحل لعدة انتكاسات ابتداءً من ثلاثينيات القرن الماضي
حتى قضمت جميع السواحل التي تحمل الخصائص الساحلية المهمة بالنسبة للبيئة البحرية!
وهي منظومة ترابط هائل عجز العلم عن تفسيره ومتصل ابتداء من الساحل ثم الخليج وصولاً
إلى المحيط، وتتميز هذه البيئة الساحلية بأنها بيئة داعمة للمخزون السمكي الاستراتيجي
وبيئة منتجة وحاضنة للكثير من الكائنات البحرية التي تميزت بها البحرين تاريخياً حتى
أنها أصبحت مصدر جذب للكثير من الحضارات الإنسانية والسبب هو حملها جميع مقومات الحياة
ابتداءً من البيئة البرية وما تحتويه تلك البيئة من حيوانات برية وانتهاءً بالبيئة
الزراعية.
سواحل... لكنها أملاك خاصة!
ومع إقراره بأن الأعراف الدولية تعتبر الدولة هي المالكة لكل شيء في نهاية المطاف،
وهذا أمر مسلم به في القوانين الدولية بل وحتى قوانيننا المحلية التي لا تجيز استملاك
السواحل وتحويلها إلى أملاك خاصة، إلا أن هناك شواهد أصبحت غير مقبولة. وليس من المنطق
في شيء أن نتحدث عن أملاك الدولة فحسب، إذ يتوجب عند الحديث عن الأراضي والسواحل الرجوع
إلى الوثائق لكي تتضح لنا الأمور ونعي حجم الخسارة التي تعرضت لها البيئة الساحلية؛
بسبب تلك القفزات التاريخية في عمليات الردم والحفر حيث ردمت مئات الكيلومترات حتى
أصبحت البحرين مردومة مرتين ومازلنا نتحدث عن شح في الأراضي وعن أن جميع السواحل مفتوحة
أمام المواطنين!
«خليج توبلي»... كارثة الكوارث
ويتصدر خليج توبلي «كارثة الكوارث» الساحلية في البحرين، فهو من «الأراضي الرطبة» التي
تعتبر السوق الإحيائية التي توفر الغذاء للعالم والثراء للتنوع الحيوي بتوفير موائل
وبيئات فريدة من نوعها، وخليج توبلي، كما تشير خولة المهندي أحد الأراضي الرطبة، ويكتسب
أهمية أخرى حيث تكثر فيه نباتات وأشجار القرم، ومن المعروف أن بيئات نباتات القرم تتميز
بتنوعها الحيوي الكبير، فهي تكون نظاماً بيئياً غنيا ذا إنتاجية عالية من حيث كونه
ملجأ للعديد من الكائنات الحية، كذلك تجذب بيئات القرم الأسماك والقشريات المهمة اقتصادياً.
تدمير الموائل والبيئات المهمة
وتكمن أهمية البيئات أيضاً في كونها مواقع حضانة لصغار العديد من الكائنات البحرية
حيث تجد فيها الغذاء والحماية، لذلك على الجميع أن يعي ويقدر أهمية حماية خليج توبلي
والحفاظ عليه بعد أن تقلصت المساحة الإجمالية لخليج توبلي منذ الخمسينيات حيث كانت
تبلغ نحو 24 كيلومتراً مربعاً إلى ما لا يزيد على 10 كيلومترات مربعة حالياً.
وعانى خليج توبلي من تقلص في مساحته ومن التلوث وتدمير الموائل والبيئات المهمة بالخليج.
وذلك بسبب عمليات الدفن، بالإضافة إلى نشاطات شركات غسيل الرمل حول الخليج وتحويله
إلى مكب للنفايات من قبل بعض الشركات والمسالخ والأفراد، حتى أن أشجار القرم التي يتميز
بها الخليج وتوفر له مقومات جيدة للتنوع الحيوي والاستدامة، تناقصت أعدادها بشكل كبير
وتبدو أعداد منها بشكل غير صحي. كل هذه العوامل كانت وراء تدمير خليج توبلي.
وعلى رغم كون محمية رأس سند بخليج توبلي محمية بيئية بحرينية، وأن خليج توبلي مسجل
ضمن الأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية في اتفاقية «رامسار»، فإن خطوات عملية رادعة
لم تتخذ لإيقاف تدمير خليج توبلي! ولعل من أهم الأسباب هي تعدد الجهات المسئولة عن
خليج توبلي. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه من جهاز شئون البيئة أو اللجنة الوطنية للحياة
الفطرية آنذاك تطبيق القانون لحمايتها فإن «البلديات» و «الإسكان» ومصانع غسيل الرمال
وملاك جدد بِيعت أو وهبت لهم أراضٍ في داخل الخليج يملكون القرار بشأن تصرفات مهمة
داخل الخليج من بينها ردمه أو تمليك أراض به أو تلويثه.
بحر «الحد» في 2005
في العام 2005، لم يكن ساحل الحد مدفوناً بالشكل الذي هو عليه اليوم، لكن منذ ذلك الوقت،
ظهرت أولى المؤشرات المخيفة، فقد زادت كميات الأسماك النافقة في بحر الحد، فضلاً عن
كميات أخرى طفحت على سطح الماء بشكل ملفت جداً للنظر، وكبرت وقتذاك مخاوف البيئيين
البحرينيين من انتقال مشكلة نفوق الأسماك في الحد إلى مناطق أخرى في البحرين وخاصة
تلك التي تشابهها من حيث الظروف البيئية.
وكان التشخيص الأولي للمشكلة يشير إلى أنه تم سكب كميات من الزيت في هذه المنطقة البحرية،
وهو ما ظهرت آثاره بشكل واضح في الموقع، فضلاً عن تصريف المجاري فيها. ونظراً إلى كون
المنطقة معزولة وبها كميات كبيرة من الأسماك فقد أدى إلى نفوقها بكميات تصل إلى عشرات
الآلاف.
تجاوز مراسيم القوانين
ونتيجة التدمير المتواصل للسواحل البحرينية، فإن الحقيقة المؤلمة المشهودة هي أن البحرين
لم تعد منطقة ساحلية بعد القضاء على سواحلها وأهم مناطق الثروة السمكية فيها فضلاً
عن القضاء التام على بيئتها البحرية الطبيعية. فقد تسببت عمليات الدفان وقضم السواحل
والقضاء عليها من دون إجراء أية مسوحات أو دراسات بيئية في ردم أهم مناطق الثروة السمكية
نتيجة تجاوز جميع القرارات الوزارية والمراسيم والقوانين.
ولاتزال المطالبات ضرورة استرجاع السواحل وتحويلها إلى الملكية العامة وفقاً لأحكام
القانون رقم 20 لسنة 2006 بشأن حماية الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية قائمة، وخصوصاً
أن مجلس النواب وجه انتقادات كبيرة إلى الحكومة، مطالباً بمنع استغلال الشواطئ والسواحل
لأغراض خاصة باعتبار أن المواطنين في حاجة إلى السواحل والمنافذ البحرية كمرافئ للصيد
ومعبر للبحر لكسب الرزق.
خطاب إلى جلالة الملك
إذاً، لم يعد خافياً أمر صمت الدولة تجاه ما يحدث من تدمير مخيف للسواحل، والدليل على
ذلك أن رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني يفيد بأن هيئة مكتب المجلس قررت في اجتماعها
صباح يوم الأربعاء 23 أبريل من العام الماضي 2007، رفع خطاب إلى جلالة ملك البلاد بشأن
إصدار توجيهاته الملزمة إلى جميع الجهات المختصة بالعمل على حفظ السواحل للملكية العامة،
وبالمقابل، تم تشكيل لجنة للتحقيق في التجاوزات الواقعة على البحر والسواحل بفعل الردم
في المناطق البحرية التي تحركت، حسب قول رئيسها النائب ناصر الفضالة، من خلال مطالبة
لجنة الإسكان والأعمار لتزويد اللجنة بمعلومات حول وجود خطة استراتيجية واضحة المعالم
لدفن السواحل في المملكة وذلك من خلال المخطط الهيكلي العام.
لكن الرد جاء مفاجئاً! فقد فوجئت لجنة التحقيق برد لجنة الإسكان والإعمار نصاً: «لا
توجد أية علاقة دستورية أو قانونية بمجلس النواب ولجنة الإسكان والأعمار بحكم أنها
خاضعة تحت سقف ديوان سمو ولي العهد نائب القائد الأعلى»... على الرغم - حسب الفضالة
- من أن المسألة لا تعدو طلب التزويد بمعلومات تتعلق بردم السواحل، وليست مسألة محاسبة
أو تداخل سلطات!
السواحل «الجنوبية» لم تسلم
في المنطقة الجنوبية من البلاد، لم يمكن أبداً التغطية على كارثة تدمير السواحل هناك،
فممثل الدائرة الخامسة بمجلس بلدي المنطقة الجنوبية ناصر سعيد المنصوري كشف أن معظم
سواحل دائرته «عسكر» تحولت إلى أملاك خاصة، منوهاً إلى عدم امتلاكه معلومات دقيقة بشأن
مساحاتها. وطالب المنصوري أصحاب القرار في المملكة بضرورة الحفاظ على سواحل الدائرة
الخامسة لصالح الملكية العامة، وخاصة السواحل الصغيرة الممتدة من جنوب منطقة حيان بمجمع
958 وحتى شمال قرية «جو» مجمع 960 .
وكما هو الحال في المحافظات الشمالية، الوسطى، العاصمة والمحرق، يعيد المنصوري تكرار
دعوة الحفاظ على سواحل الدائرة الخامسة وتخصيصها للصالح العام، بعد أن تحول معظمها
إلى أملاك خاصة، ومطالبة الإدارة العامة للبيئة بضرورة تشديد الرقابة على أولئك الذين
يقومون بالدفن العشوائي لأملاكهم الخاصة في المنطقة ما سبب انتشار الأخشاب والمخلفات
بأنواعها والتي لا يعرف مدى ضررها على البيئة البحرية.
النتيجة... الصفعة الأقوى!
لا أحد يكترث... وخصوصاً من جانب الوزارات الرسمية المعنية... هذه هي الصفعة الأقوى
التي تلقتها لجنة التحقيق بشأن التجاوزات الواقعة على البحر والسواحل بفعل الردم (الدفان)
بالمناطق البحرية في المملكة! لكنها لم تيأس، فعقدت اجتماعاً حضره ممثلون بلديون عن
مجلسي العاصمة والشمالية، وكان من الواضح أن هذا الاجتماع لم «يخبئ» الشكوى من أن هناك
عدم وضوح بالنسبة لملكية الأراضي التي دفنت والتي تدفن، والمطالبة بعدم إطلاق يد وزارة
«البلديات» في التصرف بالأراضي التي يتم دفنها، مع تفعيل دور المجالس البلدية في قضية
الدفان.
لقد لاحظت اللجنة غياب المتابعة الجادة في جميع مناطق الدفان بالمحافظات، في ظل غياب
جهاز مؤهل للمتابعة الدقيقة لكل التجاوزات الحاصلة في عمليات الدفان، لذلك، لابد من
رفع خطاب لرئيس مجلس النواب بشأن الوزارات التي لم تتعاون مع اللجنة رغم تكرار مخاطبتها
ومراسلتها لتزويد اللجنة بالمعلومات المطلوبة، ما تسبب في تعطيل عمل اللجنة والحيلولة
دون إتمام مهامها بشكل متكامل.
ما توافر لدى اللجنة يعد «فقيراً»... فقد تسلمت تقارير عن الدفان في سواحل البحرين
والتي أعدها المجلس البلدي بالمحافظة الشمالية والعاصمة، وقد شمل التقرير الدفان في
محافظة المحرق بكل تقسيماته، وتقسيمات الأراضي في المحافظة الشمالية المراد دفنها والتي
لا تمثل سوى 10 في المئة من مجموع المناطق المراد دفنها وأغلبها لا يعرف لمن تعود ملكيتها،
كما تم الاطلاع على تقسيمات الأراضي المغمورة في خليج توبلي والتي يتم الإعداد لدفنها،
وبحث التأثيرات البيئية من طمي وغيره، كما اطلعت اللجنة على أساليب الدفان المرخصة
والمخالفة للاشتراطات، ولاحظت اللجنة غياب المراقبة الدائمة للمخالفات المتكررة لاشتراطات
عملية الدفان.
سواحلنا... مكب للمخلفات
السواحل البحرينية المدمرة بالدفن أصلاً، أصبحت مكباً للنفايات الخطرة الناتجة عن أنشطة
اقتصادية مختلفة... هكذا يقول عضو مجلس بلدي العاصمة صادق رحمة مكرراً: «معظم سواحل
البحرين تحولت إلى مكب لمخلفات البناء، ولم تعِ الدولة حجم الكارثة البيئية التي ستتسبب
بها عمليات الردم الجائر وعلى رأسها المنطقة المحصورة بين محافظتي المحرق والعاصمة
والتي تحولت إلى مجموعة من المشروعات الاستثمارية غير المعلن عنها».
البحرين، وفقاً لرحمة، تتجه إلى المشروعات الاستثمارية على حساب البيئية البحرية، والأسوأ
من ذلك أن عمليات الدفان تتم بطريقة غير قانونية.
وضبط رحمة بعض المقاولين، وبإيعاز من وزارة الأشغال بحسب إفادتهم، يقومون برمي مخلفات
البناء في المنطقة الواقعة جنوب أم الحصم على الشريط الساحلي لخليج توبلي، وبالعودة
إلى الطمي فإننا نؤكد أن هذه المادة تقضي على مكونات البيئة البحرية من أسماك وأعشاب
ومرجان، وهي تحول المنطقة المدفونة إلى مقبرة للأحياء البحرية التي لا يمكنها العيش
في هذه المنطقة، ويمكن ملاحظة ذلك بصورة واضحة في خليج توبلي حيث تسبب الطمي بنشوء
مناطق غير بيئية حيث يلاحظ أن وجود فقاعات ومظاهر غريبة في المياه التي تم غمرها بالطمي.
منطقة رأس زويد
ولكن، ماذا يحدث في منطقة «رأس زويد» في المنطقة الجنوبية؟ النائب في مجلس النواب خميس
الرميحي يقول: «ما يحدث هو دفن عشوائي، لكنه ليس مقتصراً على هذه المنطقة فحسب، وإنما
في البحرين عموماً، وأنا أرى أن الدفان بهذا الشكل خطر جسيم على البيئة البحرية، وإذا
كان قدر البحرين محدودية الأرض فإن الدفن سيصبح خياراً لا مفر منه، شريطة أن يكون بمنهج
سليم ومتدرج من الساحل إلى البحر وليس العكس، ما نراه الآن هو مناطق تدفن وسط البحر،
مخلفة آثاراً مدمرة على البيئة البحرية التي هي أصلاً تعاني من مشكلات كبيرة وخطيرة».
ساحل منطقة «رأس زويد» يرتبط ارتباطاً وثيقاً بموسم هجرة الأسماك، فهناك أحياء وكائنات
صغيرة تعيش على السواحل تكون الغذاء لأنواع متعددة من الأسماك، وترتبط تنقلاتها بموسم
ووقت معين، كما أن هناك شجيرات ترعاها بعض أنواع الأسماك وتمثل لها الغذاء الرئيس،
مثل سمك الصافي الذي يعد أفضل أنواع الأسماك ويدخل ضمن سلة الغذاء الرئيسة لأهل البحرين.
نفوق الأسماك من جديد
مؤخراً، لوحظ نفوق أعداد كبيرة من الأسماك في عدد من السواحل المدمرة، ومنها خليج توبلي،
وأرجع الصيادون والبيئيون هذه الظاهرة الى ضخ مياه الصرف الصحي في الخليج نظراً لضعف
قدرتها الاستيعابية للمخلفات، بالإضافة إلى وجود مصانع غسيل الرمال بالقرب من الخليج
والتي ترمي الطمي والرمال في الخليج وتؤدي إلى حجب أشعة الشمس عن النباتات وقلة الأوكسجين
وانتشار الغازات السامة وهو ما يؤدي إلى موت النباتات والأسماك، بينما ارجع البعض الآخر
نفوق الأسماك إلى عملية الدفان المستمر وانسداد الممرات المائية للخليج وبالتالي تعكر
مياهه نتيجة لركود المياه وتكون بحيرات غير جارية وقلة الأوكسجين في الماء.
موقف الصياد البحريني
الصيادون في البحرين الذين يكسبون رزقهم من البحر، هم الفئة الأكبر التي أصابها ضرر
تدمير السواحل، فهم يرجعون أهم أسباب نفوق الأسماك إلى عدم وجود الرقابة على البيئة،
لأن المأساة البيئية أدت إلى القضاء على الفشوت ودمرتها بالإضافة إلى تدمير الحشائش
والشعب المرجانية، كذلك من الأسباب التي أدت إلى نفوق الأسماك إنشاء جسر سترة الجديد
لأنه يدفن بطريقة غير مدروسة وخاصة أنه تم الاتفاق على الدفن بالحصى الكبير، لكن الصيادون
فوجئوا بأن عمليات الدفن تتم باستخدام مخلفات بناء المنازل الآيلة للسقوط! ما أدى إلى
ترسب الرمال... وهذه الطريقة قتلت الحشائش البحرية والفشوت، وساعدت على قتل أكبر عدد
ممكن من الأسماك، والسبب انعدام الأوكسجين.
قرار الترخيص بالدفان
ليست القرارات التي صدرت بعد القرار رقم (4) لسنة 2000 بشأن الترخيص بردم (دفان) الأراضي
البحرية بأحسن حال منه، فهي جميعها غير مفعلة، ومجمدة، فذلك القرار قال نصاً: «لا يجوز
لأي شخص أن يقوم أو يشرع في القيام بأي عمل من أعمال ردم (دفان) الأراضي البحرية المغمورة
بالمياه سواء لحسابه الخاص أم لحساب الغير، أياً كان الغرض من هذه الأعمال إلا بعد
الحصول على ترخيص بذلك من إدارة الشئون الفنية والهندسية بالهيئة البلدية المركزية
وفقاً لأحكام هذا القرار»... لكن منذ العام 1931، مروراً بحقبة السبعينيات والثمانينيات
والتسعينيات (التي اشتدت فيها سطوة تدمير السواحل)... إلى الألفية الجديدة، راوحت القرارات
مكانها في الأدراج، فيما كانت الآليات تردم السواحل ليل نهار.
إنقاذ ما يمكن... أو لا يمكن!
في السادس من مارس/ آذار من العام الجاري 2008، عقدت لجنة التحقيق بشأن التجاوزات الواقعة
على البحر والسواحل بفعل الردم (الدفان) في المناطق البحرية في مملكة البحرين اجتماعاً
مهماً بمجلس النواب... في ذلك الاجتماع، ناقشت اللجنة المحاور التي سيعتمد عليها عملها
في التحقيق في الأمور التالية:
التحقق من المساحات البحرية والسواحل التي ردمت (دفنت) منذ العام 2002م وحتى الوقت
الحاضر وبيان الغرض الذي من أجله حصل الدفن.
- التحقق من المساحات التي دفنت لصالح القطاع الخاص وتلك التي دفنت لصالح القطاع العام
وما تبقى لاحتياطي الأجيال.
- التحقق مما إذا كانت عمليات الدفان بالتجريف والردم قد تمت وفق الأنظمة؟ وهل أنها
خضعت لموافقات مسبقة من الجهات المختصة ذات العلاقة.
- التحقق من التأثيرات السلبية المختلفة من جراء الردم وخصوصاً الآثار البيئية وانعكاس
ذلك على الثروة السمكية بوصفه مصدراً غذائياً مهماً للشعب.
- التحقق من الجدوى الاقتصادية والتجارية لعمليات الردم، وهل تحقق من وراء ذلك مردودات
إيجابية لمصلحة الخزينة العامة للدولة؟
- التحقق من الجهات التي قامت وتقوم بالردم في جميع المناطق البحرية للملكة (قطاع عام
- قطاع خاص - محلي - خارجي)، وعما إذا كانت مخولة بذلك من عدمه.
- التحقق من الجهة المخولة بالتصريح والموافقة لهذا الجهات.
- التحقق من وجود خطة استراتيجية واضحة المعالم للردم في المملكة ومن خلال المخطط الهيكلي
العام.
- التحقق من الاستفادة المثلى (اقتصادياً، وعمرانياً وبيئياً) من الرمل المسحوب من
قاع البحر داخل الحدود الإقليمية للبلاد.
- والتحقق من الالتزام بالتشريعات النافذة والاتفاقيات الدولية الموقعة من المملكة
بشأن الردم والتجريف.
وعلى رغم توافق الأعضاء على أهمية مبررات وأسباب طلب تشكيل هذه اللجنة حيث أن أنشطة
الردم والتجريف من الأنشطة التنموية المهمة، لكن هناك احتمالات وقوع الآثار السلبية
له، من حيث طمر وتدمير موائل حيوية عديدة وخاصة تلك الواقعة في المياه الضحلة القريبة
من الخط الساحلي، حيث تؤكد العديد من التقارير أن الكثير من أعمال التجريف والردم البحري
التي تم تنفيذها قد تجاهلت الاحتياطات اللازم توافرها للمحافظة على البيئة والتقليل
من الآثار السلبية! وأن البيئة البحرية أصبحت في مواجهة آثار خطيرة من التلوث المتأتي
من عمليات التجريف وتصريف مياه الصرف الصناعي والصحي بسبب مخالفتها للمواصفات المقررة
لدى الجهات المختصة التي تحدد المواصفات المقررة لعمليات الدفان بالتجريف.
ولايزال العمل مستمراً (نظرياً فقط) على التأثيرات السلبية للتجريف والردم البحري في
المياه الإقليمية للبلاد، والتي تنحصر بإيجاز في تدمير مناطق الحضانة للثروات السمكية
وقتل الأحياء البحرية، وفقدان التنوع البيولوجي وتغير أنماط التيارات البحرية، وتفاقم
الملوثات الخطرة المترسبة في قاع البحر، وانخفاض وفرة الصيد ما ينعكس سلباً على عائد
الصيادين وتدمير مساحات شاسعة من المنطقة الساحلية واختفاء السواحل الطبيعية من معظم
المدن والقرى.
التصدي للكارثة... المقترحات والحلول
بلغت تحركات الناشطين البيئيين في البحرين، وأعداد كبيرة من المتضامنين معهم من المواطنين
أوجها، في الفترة من العام 2000 حتى العام الجاري بعد الإعلان عن قيام مؤسسات إنشاء
وتعمير في مملكة البحرين بمشاريع استثمارية في منطقة بحرية على درجة عالية من الأهمية
البيئية للكائنات الحية وللبيئية البحرية البحرينية وهي منطقة فشت العظم التي تعتبر
موئل للشعاب المرجانية... بيئة الأسماك والكائنات البحرية.
وحماية لسواحل البحرين ومناطقها البحرية، وذلك يشمل منطقة فشت العظم وفشت الجارم، وضعت
أربع جمعيات معنية بالبيئة البحرية رؤيتها تحت عنوان: «التكتل البيئي» الذي أعلن رفض
الجمعيات الأربع لأية مشاريع من شأنها التأثير سلباً على منطقة فشت العظم البحرية وسائر
المناطق الساحلية البحرينية للحفاظ على النزر القليل مما تبقى منها وفقاً للتالي:
- تفعيل التشريعات والقوانين التي تحمي البيئة البحرية بصورة شاملة ومتكاملة لإنقاذ
ما تبقى من البيئات البحرية الحساسة ذات الأهمية البالغة بيئياً والغنية بتنوعها الحيوي،
والتي تشكل واحدة من أهم المناطق السياحية في المملكة لما تحمله من جمال طبيعي خلاب
إضافة إلى كونها واحدة من المكونات الثقافية والفلكلورية للمجتمع البحريني ناهيك عن
كونها تشكل مورداً اقتصادياً مهماً لسكان البحرين.
- استرجاع السواحل وتحويلها إلى الملكية العامة وفقاً لأحكام القانون رقم 20 لسنة 2006
بشأن حماية الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية.
- إظهار اهتمام الحكومة بإيجاد حلول للكارثة من خلال تقديم الدعم الحقيقي للجنة التحقيق
بشأن التجاوزات الواقعة على البحر والسواحل بفعل الردم «الدفان» في المناطق البحرية.
- أهمية تعاضد مؤسسات المجتمع المدني ودعمها لأهداف الجهة الحكومية المسئولة عن حماية
البيئة والتنوع الحيوي والثروات الطبيعية ألا وهي الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية
والبيئة والحياة الفطرية. وقد قامت الجمعيات الأربع بمخاطبة رئيس الهيئة سمو الشيخ
عبدالله بن حمد آل خليفة لمناقشة كارثة سواحل البحرين.
ست مواد «مجمدة»!
خليج توبلي سجل في اتفاقية «رامسار» العام 1997، وصدر قرار البلدية رقم (1 ) سنة 1995
بمنع الدفان والتعمير في خليج توبلي وفقاً للمواد التالية:
- المادة رقم (1) توقف جميع أنواع الدفان في خليج توبلي.
- مادة رقم (2) يمنع التعمير في منطقة شجيرات القرم برأس سند باعتبارها منطقة محمية
طبيعية من الفئة (أ) طبقاً لقرار مجلس الوزراء (جلسة 1341) الصادر بتاريخ 16 أبريل/
نيسان 1995 كما يمنع التعمير في المنطقة المتبقية من خليج توبلي باعتبارها منطقة محمية
من الفئة (ب) طبقاً لقرار مجلس الوزراء المذكور.
- مادة رقم (3) يعتبر الشريط الساحلي المطل على خليج توبلي بما فيه سواحل جزيرة النبيه
صالح منطقة تعميرية بالنسبة للمشروعات ذات الطبيعة الخاصة التي تحددها وزارة الإسكان
وتضع بشأنها شروطاً تنظيمية خاصة.
- مادة رقم (4) لا يجوز التعمير في الأرض الريفية المتاخمة لخليج توبلي إلا إذا كان
صادراً بها خرائط تفصيلية معتمدة من وزارة الإسكان وبشرط أن توضح بها الاستعمالات المسموح
بها وفقاً للاشتراطات البنائية لكل قطعة أرض على حدة.
- مادة رقم (5) يعاقب كل من يخالف هذا القرار بالعقوبات المقررة في المادة 23 من المرسوم
بقانون رقم 13 لسنة 1977 بإصدار قانون تنظيم المباني وتعديلاته.
- مادة رقم (6) على مدير عام الهيئة البلدية المركزية المؤقتة تنفيذ هذا القرار ويعمل
به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
لكن «الكارثة»، أنه ولا واحدة من تلك المواد، تم تطبيقها!
دستور
مملكة البحرين
قانون
رقم (20) لسنة 2006 بشأن حماية الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية
مرسوم
بتعيين مدير عام للمؤسسة العامة للموانئ البحرية
مرسوم
بتشكيل مجلس إدارة المؤسسة العامة للموانئ البحرية
مرسوم
بتعيين نائب لرئيس الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية
قرار
رقم (16) لسنة 2005 بشأن حظر ردم (دفان) الأراضي المغمورة بالمياه البحرية بدون ترخيص