أخبار الخليج - العدد 11265
- الاحد 25 يناير 2009
أحوال الأسرة يدخل النفق
المجهول
تحقيق: هناء المحروس
من بين أكثر مشاريع القوانين التي واجهت معضلة الإصدار يبقى مشروع قانون أحكام الأسرة
هو سيدها، فهذا المطلب الذي حملت عبأه الجمعيات النسائية البحرينية قبل أكثر من ثلاثين
عاما مايزال يراوح مكانه رغم كل التطورات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في المجتمع
البحريني وطالت بكل تأكيد العلاقات بين أفراد المجتمع والأسرة بشكل خاص من دون أن تمس
الموروث الاجتماعي المستند إلى التعاليم الدينية السمحة.
فكلما ارتفعت الأصوات المطالبة بإصدار القانون واجهتها أصوات أخرى معارضة تحت حجج وذرائع
مختلفة، فمنها من يرى أن وجود قانون ينظم أحوال الأسرة إنما هو بحد ذاته مخالف للشريعة
الإسلامية، ومنها من يرى أهمية الإتيان بضمانة دستورية تحول دون تعديله من قبل السلطة
التشريعية في البحرين.
وبين هذه المعارضة وبين المطالبة بإصدار القانون يبقى المشروع معلقا من دون أي بوادر
حتى الآن تنم عن أنه في طريقه للإصدار خاصة بعد أن خطت الحكومة خطوتها الجريئة في هذا
الاتجاه حين أحالت المشروع إلى مجلس النواب فاستبشر المؤيدون والمطالبون بهذا القانون
خيرا لكن سرعان ما خذلتهم خطوة أخرى تمثلت في سحب المشروع، وما أعقب ذلك من أقاويل
حول إمكانية إقرار الشق السني من القانون وإرجاء الشق الجعفري لحين التوصل إلى توافق
مجتمعي حوله.فهذا المشروع الذي يعتبر واحدا من أهم مشاريع القوانين كونه ينظم علاقات
الأسرة وفق الشريعة الإسلامية التي يعتبرها دستور مملكة البحرين مصدرا رئيسيا للتشريع،
هو مطلب مجتمعي وخاصة بعد أن اتضح للجميع تقريبا حاجة المحاكم الشرعية بشقيها الجعفري
والسني إلى مثل هذا القانون لتنظيم عمل المحاكم التي تعتمد حتى الآن في إصدار أحكامها
على اجتهادات شخصية، فأحيانا نسمع عن قوانين متناقضة حول قضيتين متشابهتين تماما.
فالبحرين حيث تعترض طريق إصدار هذا القانون الكثير من العقبات من جانب بعض رجال الدين،
هي ليست الدولة الإسلامية الوحيدة التي تتحدث عن حاجتها إلى مثل هذا القانون، فالغالبية
العظمى من الدول العربية والإسلامية بها قوانين تنظم أحوال الأسرة ولم تخرج هذه القوانين
عن جوهر الشريعة الإسلامية وإذا كانت هناك فوارق بين قانون وآخر فإنما مرد ذلك إلى
طبيعة المجتمع ومدى تطوره الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي فإن إلقاء العقبات واختلاقها
أمام هذا القانون لن يحقق سوى المزيد من الأضرار للأسرة البحرينية التي تعاني دون غيرها
من غياب هذا القانون.
خطوة غير موفقة
يقول المحامي فريد غازي بأنه ضد إقدام الحكومة على سحب قانون الأحكام الأسرية من مجلس
النواب لأن الأمر لا يصب في مصلحة الأسرة البحرينية خاصة تلك التي لديها قضايا أمام
المحاكم الشرعية، مشيرا إلى أن الطرح القائل بسحب الشق الجعفري من القانون لمزيد من
التوافق هو طرح ينقصه المنطق إذ بالإمكان إحداث مثل هذا التوافق من دون الحاجة إلى
سحب مشروع القانون، إذ لابد من مناقشة القانون بشقيه في وقت واحد إذ أن الأسرة البحرينية
لديها المشكل والهموم نفسها.
وأضاف أنه فيما يتعلق بالضمانات الدستورية التي يطالب بها المجلس العلمائي فإن هذا
أمر مضيع للوقت ذلك أن الدستور ينص صراحة على أن الدين الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع،
وأعتقد أن الهدف من مثل هذه الضمانة هو الخشية من سيطرة العلمانيين في الفترة القادمة
على مجلس النواب وهذا أمر بعيد المنال في المنظور القريب.
وأشار إلى أن المطالبة بقانون للأحوال الشخصية ليس هو بالمطلب وليد الساعة بل مرت عليه
سنوات طويلة حين طالبت به الجمعيات النسائية منذ أكثر من ثلاثين عاما تم خلالها تشكيل
لجنة الأحوال الشخصية التي ضمت العديد من المختصين والقانونيين والجمعيات النسائية.
وعن الخطوة التي بادر إليها الاتحاد النسائي البحريني بتشكيل لجنة تضم في عضويتها رجال
الدين من الطائفة السنية لمناقشة مسودة الأحوال الأسرية في شقه السني وتم إجراء تعديلات
عديدة على النسخة الرسمية توافقت عليها جميع المذاهب السنية، فهذه خطوة مهمة وإيجابية
وتصب في خدمة قضايا المرأة وأمر إيجابي ومثالي للغاية.
وأضاف غازي أن الفقه الإسلامي به العديد من الآراء الفقهية والاجتهادية وهذه بحد ذاتها
ضمانة قوية لإخراج القانون في صيغة تتوافق مع التعاليم الدينية وخاصة أن الصياغة تتم
من قبل رجال الدين والقضاة الشرعيين، فهم أقرب إلى طبيعة المشاكل التي تطرح أمام المحاكم
الشرعية وبالتالي يكونون قادرين على وضع النصوص القانونية لحل هذه المشاكل وخاصة تلك
المتعلقة بالنسب والطلاق والحضانة والنفقة.
وقال المحامي فريد غازي أنه في حالة عدم التوصل إلى توافق مجتمعي بشأن القانون فإن
حسم الأمر في المجلس الوطني مستبعد وبالتالي فإن المخرج لهذه الإشكالية هو أن يقوم
جلالة الملك بإصدار القانون في فترة عدم انعقاد المجلس الوطني.
الالتزام بـ(سيداو)
أما المحامي محمد المطوع فبدوره يقول إنه أيضا ضد خطوة سحب مشروع القانون من مجلس النواب
لأن الجهات المعترضة هي لا تعترض على وجود القانون ذاته وإنما تطالب بالضمانة الدستورية
كي لا يتم تغييره من قبل المجلس في المستقبل من دون مشاركة رجال الدين، كما أن هذه
الضمانة تعبر عن خشية أصحابها من أن تتسرب بعض مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال
التمييز ضد المرأة (سيداو) إلى نصوص القانون.
وأضاف أن الدولة وقد صدقت على الاتفاقية سالفة الذكر فإنها ملزمة ببنودها وبأن تتماشى
القوانين الوطنية مع جوهر هذه الاتفاقية، لهذا فإن سحب مشروع القانون من مجلس النواب
هو إجراء خاطئ، أما مطلب الضمانة الدستورية فهذه مسألة سياسية وليس لها علاقة بالقانون.
ويشير إلى أن صياغة القوانين ومراسيم بالقوانين تحتاج إلى أصحاب الخبرة فإن صياغة قانون
الأحكام الأسرية يحتاج إلى أشخاص متبحرين في الفقه الإسلامي والإطلاع على أقوال الفقهاء
والاختلافات الفقهية فيما بينهم وتفحص القوانين المشابهة في الدول العربية والإسلامية
للاستفادة من نصوصها المتطورة.
وأوضح أن المماطلة في إصدار القانون والتمسك بالضمانة الدستورية لا يخدم مصالح الأسرة
البحرينية والأطراف المتقاضية كافة أمام المحاكم الشرعية، وأن إقدام الحكومة على سحب
القانون هو تصرف خاطئ وهدفه إرضاء المعارضين.
وأضاف أن مسودة الشق السني من مشروع القانون به مادة تنص على عدم تغيير أو تعديل القانون
إلا بالرجوع إلى أهل الاختصاص من الفقهاء ورجال الدين والشريعة الإسلامية، مؤكدا أهمية
تحديد هذا الأمر بدقة صريحة كي لا يكون هناك أي لبس أو تأويل في التفسير مستقبلا، وبذلك
يكون هناك تطمين للمعارضين.
وعن الخطوة التي أقدم عليها الاتحاد النسائي البحريني بتشكيل لجنة من شيوخ الدين من
الطائفة السنية لمراجعة مسودة الشق السني في قانون الأحوال الأسرية هي خطوة في غاية
الأهمية وجادة وسعي لتفويت الطرح القائل بأن القانون سوف يصدر دون مشاركة ذوي الاختصاص،
كما أن الاتحاد سعى لأخذ رأي المجلس العلمائي في الطائفة الجعفرية إلا أنه لم يوفق
في ذلك.
وشدد المحامي محمد المطوع على ضرورة تحريك عجلة إصدار القانون وعدم جعله ورقة سياسية
للتجاذب بين المعارضة والحكومة واستخدامها كورقة ضغط كل على الطرف الآخر، فالحكومة
وبعد توقيعها على اتفاقية (سيداو) فهي مطالبة بإصدار مثل هذا القانون.
أما الطرح القائل بطرح الشق السني من القانون على مجلس النواب للتصويت عليه، فهي خطوة
إن أقدمت عليها الحكومة فإنها لن تكون موفقة وإن كانت ستشكل ضغطا على الطرف المعارض
للقانون، فالأفضل أن يكون قانونا واحدا بشقين ويناقشان من قبل مجلس النواب.
تكريس الطائفية
رئيسة الاتحاد النسائي البحريني مريم الرويعي بدورها عبرت عن رفضها لسحب مشروع القانون
من أمام مجلس النواب، فهذا مطلب الجمعيات النسائية منذ الثمانينيات وقد استبشرت خيرا
حين أحالته الحكومة إلى المجلس وبإمكانها تمريره وخاصة أن هناك أغلبية تؤيد مشروع القانون
ويمكن الاعتماد عليها في تمريره كما مررت قوانين أخرى من قبل.
وتضيف بأن الجمعيات النسائية تحت راية الاتحاد النسائي تواصلت مع جميع الأطراف المعنية
بقانون الأحوال الشخصية وتم تشكيل لجنة من رجال الدين في الطائفة السنية برئاسة فضيلة
الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود لدارسة مشروع القانون ووضع التغييرات والتعديلات على
المسودة واستمر عمل اللجنة مدة عام كامل، كما أن الاتحاد حاول الاتصال بالمجلس العلمائي
للوقوف على ملاحظاتهم على مسودة الشق الجعفري من مشروع القانون.
وفيما يتعلق بالسيناريو المتداول حاليا وهو سحب الشق الجعفري من مشروع القانون والإبقاء
على الشق السني لوجود توافق حوله رفضت الرويعي ذلك مؤكدة أن ذلك يمثل تجزئة للمجتمع
البحريني فالنواب يمثلون الشعب بكافة فئاته وطوائفه ولا يمثلون الطوائف، كما أنه وبدلا
من هذا التسويف والمماطلة فإن من المهم السير على طريق إقرار القانون.
وعن الخطوات التي ينوي الاتحاد النسائي الإقدام عليها بعد تعثر مناقشة القانون أمام
مجلس النواب قالت مريم الرويعي أن الاتحاد سوف يسعى لمخاطبة رئيس مجلس النواب خليفة
الظهراني والسعي لفتح حوار مع الكتل النيابية للبحث عن مخرج لهذه الإشكالية القانونية،
كما سيسعى الاتحاد لتنظيم ندوات وورشات عمل تدريبية لكل قطاعات المجتمع للتعريف بالقانون
وأهميته في حل مختلف المشاكل والعراقيل التي تصادف المتقاضين أمام المحاكم الشرعية
والتركيز على أهمية إصدار القانون.
وتضيف أن هناك الكثير من رجال الدين يدعمون إصدار مثل هذا القانون لمعرفتهم بحجم المشاكل
والقضايا الأسرية وما تعانيه المرأة البحرينية في المنازعة على حقوقها خاصة تلك المتعلقة
بالنفقة والحضانة والطلاق وغيرها من المسائل المرتبطة بالقضاء الشرعي.
وأشارت الرويعي إلى أن الاتحاد سعى دوما للتوافق المجتمعي منذ عام 2006 عندما تم عقد
ندوة حوارية دعي لها رجال الدين من الطائفتين للخروج بتوافق مجتمعي حول القانون لكن
المجلس العلمائي لم يحضر هذه الحوارات ولم يرسل من يمثله.
مطلب تعجيزي
أما رئيسة لجنة البحوث والدراسات في الاتحاد النسائي غنية العليوي فهي أيضا عبرت عن
رفضها لخطوة سحب مشروع القانون من مجلس النواب وأكدت ضرورة أن يأخذ المشروع مجراه الطبيعي
للمناقشة والإقرار، فالذين صاغوا القانون هم من رجال الدين من الطائفتين وبالتالي فهو
مستمد من الشريعة الإسلامية.
وترى بأن المماطلة في إصدار القانون لا جدوى منها، فهو مطلب رفعته الجمعيات النسائية
قبل أكثر من ثلاثين عاما وقد حان الوقت لقطف ثمار هذه المطالبة وتحقيق الحلم بإصدار
هذا القانون الذي نال من الجدل ما يكفي مشيرة إلى أن المشاكل التي تعانيها الأسر البحرينية
كثيرة وتتجلى صورها أمام المحاكم الشرعية.
وتضيف بأن الاتحاد النسائي بذل مجهودا كبيرا في مناقشة هذا القانون وتشاور مطولا مع
رجال الدين إذ شكل لجنة مع شيوخ الدين من الطائفة السنية وعكفت على دراسة القانون ما
يقارب العام حتى تمت إحالته إلى الديوان الملكي.
وترى العليوي بأن مطالبة المجلس العلمائي بالضمانة الدستورية ما هو إلا مطلب تعجيزي،
فالذين صاغوا مسودة القانون هم من رجال الدين من الطائفتين وهو مستمد نصوصه من الشريعة
الإسلامية كما أن الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر أساسي للتشريع.
ولا يختلف موقف عضو جمعية نهضة فتاة البحرين منى العامر عن موقف الرفض لسحب القانون
حيث تقول أن هذه الخطوة مسألة غير صحيحة وغير متوقعة وخاصة أن المطالبة بهذا القانون
قد مضى عليها عقود أي ما يقارب الثلاثين عاما وحان الوقت لحسم الأمر من قبل مجلس النواب.
وتضيف بأنها ضد سحب الجزء المتعلق بالشق الجعفري وإقرار الشق المتعلق بالطائفة السنية
فهذا يؤدي ويعزز الشقاق الطائفي في المجتمع.
أما بالنسبة للضمانة الدستورية التي يطالب بها المجلس العلمائي فترى العامر أن هذه
المطالبة غير قانونية أصلا ذلك أن الدستور ينص صراحة على أن الشريعة الإٍسلامية هي
مصدر أساسي للتشريع كما أن العديد من الدول الإسلامية ومنها إيران على سبيل المثال
لديها قوانين لأحكام الأسرة مراعية الطوائف في المجتمع كافة.
الأسرة تدفع الثمن
أما المسئولة عن تنمية الموارد المالية بالاتحاد النسائي فاطمة الكوهجي فهي أيضا ضد
سحب القانون من مجلس النواب، إذ كان يجب وضع حد لهذا الملف الشائك وهذا المطلب الذي
طال انتظار تحقيقه، فوجود مثل هذا القانون سوف يحل الكثير من الإشكاليات التي تعانيها
الأسر البحرينية التي لديها قضايا أمام المحاكم الشرعية.
وأكدت كما هو حال المتحدثين السابقين رفضها سحب الشق المتعلق بالطائفة الجعفرية والإبقاء
على الشق الخاص بالطائفة السنية معللة أسباب هذا الرفض كون الخطوة من شأنها أن تؤدي
إلى تعزيز الطائفية والتجزئة بين أبناء الشعب الواحد وخاصة أن مشاكل المرأة والأسرة
البحرينية بشكل عام هي مشاكل متشابهة ومتشابكة مع بعضها البعض.
ودعت الكوهجي رجال الدين من المذهب الجعفري إلى العمل على إقناع الناس بأهمية إصدار
القانون لدورة في تنظيم العلاقات الأسرية وتحديد الحقوق والواجبات بين جميع أطراف الأسرة
خاصة حين تصل المنازعات إلى ساحة القضاء الشرعي حيث يسهل الأمر على القاضي حين يتصدى
لأي نزاع أسري مشددة على أهمية حسم هذه القضية بأسرع وقت ممكن حتى لو تطلب الأمر إصدار
القانون بمرسوم ملكي.
وأضافت بأن الضمانة الدستورية التي يطالب بها المجلس العلمائي هي قضية سياسية أكثر
منها فقهية أو قانونية، فلا يجوز تسييس القانون والقضية أكثر من اللازم فالذي يدفع
ثمن غياب هذا القانون أكثر من غيره هي الأسرة البحرينية.
أما عضو جمعية رعاية الطفل والأمومة سوسن القمر فهي الأخرى ترى أن سحب القانون من النقاش
أمام مجلس النواب من شأنه أن يضيف إشكالية أخرى إلى الإشكاليات التي رافقت مطلب إصدار
القانون والذي مر عليه ما يقارب الثلاثين عاما، ثم ان سحب القانون سيميع القضية مرة
أخرى وسيصعب من مهمة إعادته مرة أخرى إلى البرلمان.
أما سحب الشق الجعفري من القانون، تضيف القمر، وطرح الشق الخاص بالطائفة السنية على
البرلمان لمناقشته وإقراره، فإن خطوة كهذه سوف تشكل ضغطا على المعارضين في الجانب الجعفري
من قبل الكتلة الجماهيرية التي ترى ضرورة إصدار مثل هذا القانون.
وتضيف بأن المماطلة في مناقشة القانون وإصداره بشقيه سوف يلحق الضرر بالأسرة البحرينية
أكثر من غيرها فما نشاهده ونسمع عنه في أروقة المحاكم الشرعية يجب أن يكون دافعا قويا
لسرعة إصدار القانون وخاصة أنه يستمد جميع بنوده من الشريعة الإسلامية.