جريدة الوسط الاحد 12 ابريل
2009 الموافق 16 ربيع الثاني 1430 هــ العدد 2410
«الدستورية» تشرح أسباب
نقضها لقانون الصحافة
لا يمكن معاقبة المستورد والموزع للمطبوعات الخارجية المخالفة
الوسط - عادل الشيخ
برّرت المحكمة الدستورية حكمها الأخير القاضي بعدم دستورية المادة (83) من قانون الصحافة
والطباعة والنشر الصادر بالمرسوم بقانون رقم (47) بأنه «في الأحوال التي تكون فيها
المطبوعات موضوع المؤاخذة قد نشرت في الخارج، يعاقب المستوردون والمتداولون للمطبوع
بالعقوبة المقررة لجريمة نشره المنصوص عليها في هذا القانون» لأنه قد نال من مبدأ الفصل
بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وانتقص من الحرية الشخصية للمدعي، وخالف مبدأ
شخصية العقوبة، وأهدر مبدأ افتراض البراءة، وأخلّ بضوابط المحاكمة المنصفة، وما تشمل
عليه من ضمان الحق في الدفاع، وعليه لا يمكن معاقبة المستورد والموزع للمطبوعات الخارجية
المخالفة
قالت إنها انتقصت من الحرية الشخصية وشخصية العقوبة وبراءة المتهم
«الدستورية»: المادة 83 من «الصحافة» خالفت المواد 32 و19 و20 من الدستور
الوسط - عادل الشيخ
برّرت المحكمة الدستورية حكمها الأخير القاضي بعدم دستورية المادة (83) من قانون الصحافة
والطباعة والنشر الصادر بالمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 فيما نصت عليه من أنه «في
الأحوال التي تكون فيها المطبوعات موضوع المؤاخذة قد نشرت في الخارج، يعاقب المستوردون
والمتداولون للمطبوع بالعقوبة المقررة لجريمة نشره المنصوص عليها في هذا القانون»،
بأن النص المطعون فيه يترتب عليه معاقبة المدعي باعتباره مستورداً وموزعاً للمطبوع
الذي تمت طباعته في الخارج بعقوبة الفاعل الأصلي لجريمة النشر - وهي الجريمة التي تضمنتها
العادة المنشورة - أي الناشر الموجود بالخارج، ما يُعد تعدياً على حرية المدعي الشخصية،
وكذا يعد مسئولاً عما اقترفه غيره، فضلاً عن أن النص المطعون فيه مبني على افتراض قانوني
للمسئولية الجنائية للمستورد والموزع بافتراض علمه واطلاعه التام بالفعل عن كل ما نشر
حتى ولو لم يطلع فعلاً على المطبوع لأسباب ليس في استطاعته تداركها لكبر حجم المطبوع
أو تعدد المطبوعات التي يستوردها أو يوزعها ، وعليه لا يمكن معاقبة المستورد والموزع
للمطبوعات الخارجية المخالفة.
وقالت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها: «إن الدستور عهد إلى كل من السلطتين التشريعية
بمهام قصرها عليهما طبقاً لنص المادة (32/أ) من الدستور المعدل، ذلك أن الدستور ناط
بالسلطة التشريعية سن القوانين وفقاً لأحكامه، فنص في المادة (32/ب) السالف بيانها
على أن «السلطة التشريعية يتولاها الملك والمجلس الوطني وفقاً للدستور»، كما نصت المادة
(70) على أن «لا يصدر قانون إلا إذا أقره كل من مجلسي الشورى والنواب أو المجلس الوطني
بحسب الأحوال، وصدق عليه الملك»؛ كذلك أسند الدستور إلى السلطة القضائية ولاية الفصل
في المنازعات والخصومات على النحو المبين بالمادتين (104 و105) من هذا الدستور.
وأضافت «أن الدستور في اتجاهه إلى ترسم النظم المعاصرة، ومتابعة خطاها والتقيد بمناهجها
التقدمية - عملاً بما جاء بميثاق العمل الوطني - نص في الفقرة (أ) من المادة (20) من
أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل
بالقانون الذي ينص عليها»، فإنه دل على أن لكل جريمة ركنها المادي الذي يدور معها في
وجودها وفي شرعية عقابها، فلا قوام لجريمة بغير هذا الركن المادي، ولا شرعية لعقوبة
من دونه، وهو ما أكدته الفقرة المذكورة بحظر العقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل
بالقانون الذي ينص عليها، بما مؤداه حصر دائرة العقوبة في إطار الأفعال أو الامتناع
عنها بالمخالفة للقامون، وبهذا النص يفصح الدستور عن أن أساس التجريم الذي ينبني عليه
أي نص عقابي - في زواجره ونواهيه - هو مادية الفعل المعاقب على ارتكابه، إيجابياً كان
هذا الفعل أم سلبياً، ذلك أن المسائل التي تنظمها النصوص العقابية في مجال تطبيقها
على المخاطبين بإحكامها محورها الأفعال ذاتها في علاماتها الخارجية ومظاهرها الواقعية
وخصائصها المادية، إذ هي مناط التأثيم وعلته، وهي التي يتم بها التمييز بين الجرائم
ومقدار العقوبة المناسبة له، بل إن محكمة الموضوع وهي بصدد تقدير توافر القصد الجنائي
لا تعزل نفسها عن ركن الجريمة المادي والفعل محل الاتهام الذي يجب إقامة الدليل عليه
ابتداءً بصورة قاطعة فتحيل بصرها فيه منقبة من خلال عناصره عما قصد إليه الجاني من
وراء ارتطاب الفعل المعاقب عليه، ومن ثم فإن الركن المادي هو الذي يكشف بعناصره المادية
عن الركن المعنوي وبهما معاً تقدر محكمة الموضوع دور الجاني في الجريمة، فيأتي تقديرها
في حدودهما متناسباً مع تورط الجاني في ارتكاب الجرم، وبالتالي لا يتصور وفقاً لأحكام
الدستور أن توجد جريمة في غيبة ركنها المادي ولا إقامة الدليل على توافر العلاقة السببية
بين مادية الفعل المؤثم والنتائج التي أحدثها بعيداً عن حقيقة هذا الفعل ومحتواه».
وأردفت المحكمة «ولازم ذلك أن كل مظاهر التعبير عن الإرادة البشرية لا تعتبر واقعة
منطقة التجريم، إلا إذا كانت تعكس سلوكاً خارجياً مؤاخذاً عليه قانوناً، فإذا كان الأمر
غير متعلق بأفعال أحدثتها إرادة مرتكبها، وتم التعبير عنها خارجياً في مادية فليس ثمة
جريمة».
وأوضحت المحكمة «أن الجريمة تُعتبر من فعل الغير بالنظر إلى الشخص الذي لم يساهم فيها
بعمل مادي سواء باعتباره فاعلاً أو شريكاً، ومن المقرر عدم مسئولية هذا الغير لعدم
مساهمته في الجريمة بفعل مادي طبقاً لهذا المعنى، وإنه لا يكفي لتوافر التجريم أن ينصب
على فعل أو امتناع معين، ما لم يكن هذا الفعل وليد إرادة حرة تبعث هذا الفعل إلى الوجود،
وتفترض الإرادة الحرة أن تكون وليدة أهلية جنائية يعترف بها القانون، فالأصل في الجرائم
أنها تعكس تكويناً مركباً من الفعل المادي والإرادة الحرة، وذلك باعتبار أن هذه الإرادة
هي التي تتطلبها الأمم المتحضرة في مناهجها في مجال التجريم بوصفها ركناً في الجريمة
وأصلاً ثابتاً كامناً في طبيعتها وليس أمراً دخيلاً مقحماً عليها أو غريباً عن خصائصها.
وتابعت المحكمة في تبريرها لحكمها «اشتراط هذه الإرادة يعتبر ضماناً مهماً لحماية الحقوق
والحريات في مواجهة سلطة التجريم والعقاب، على أن يلاحظ أن اشتراط الإثم (القصد الجنائي
أو الخطأ غير العمدي) في الإرادة الحرة ما يدخل في تكوين الجريمة تحت مسمى الركن المعنوي،
فإذا اقتصر القانون على اشتراط الركن المادي من دون الركن المعنوي، اعتبر القانون مخالفاً
للدستور لقيام التجريم على غير ضرورة وتناسب؛ وإذ إن الفقرة (أ) من المادة (19) من
الدستور المعدل ينصها على أن «الحرية الشخصية مكفولة وفقاً للقانون» أكدت على كفالة
الحرية الشخصية وجعلها أصلاً من الأصول والمقومات الدستورية الأساسية، بما مؤداه أن
سلطة المشرع في تنظيمه لها مقيدة بالحفاظ على وجودها وألا ينال التنظيم أو التحديد
من جوهرها وألا يضع عليها من القيود ما يعصف بها وهو ما قررته المادة (31) من الدستور.
وحيث إن إعلاء الدستور من قدر الحرية الشخصية في المادتين (19)، (31) منه مؤداه أن
الرقابة القضائية التي تباشرها المحكمة الدستورية في شأن دستورية النصوص العقابية يتعين
أن تضبطها مقاييس صارمة ومعايير حادة تلتئم وطبيعة هذه النصوص في اتصالها المباشر بالحرية
الشخصية، ما يفرض على المشرع الجنائي أن ينتهج الوسائل القانونية السليمة، سواء في
جوانبها الموضوعية أو الإجرائية لضمان ألا تكون العقوبة أداة عاصفة بالحرية بل تبلور
مفهوماً للعدالة يتحدد على ضوء الأغراض الاجتماعية التي تستهدفها، وأن تصاغ النصوص
العقابية في حدود ضيقة تعريفاً بالأفعال التي جرمها المشرع، وتحديداً لماهيتها، لضمان
ألا يكون التجهيل بها موطئاً للإخلال بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور في نصه المذكور».
واستندت المحكمة إلى «الفقرة (ب) من المادة (20) من الدستور المعدل التي تنص على أن
«العقوبة شخصية»، ومفاد ذلك أنه لا يمكن اعتبار الشخص مسئولاً جنائياً إلا عن فعله
أو امتناعه الشخصي، ويشترط لقيام المسئولية وجود علاقة مادية بين الجريمة والسلوك الشخصي
للمسئول عنها ويفترض هذا الإسناد توافر عنصرين الأول مساهمة الشخص بفعله الشخصي في
الجريمة والثاني توافر علاقة السببية بين فعل المساهمة والنتيجة الإجرامية التي يعتد
بها المشرع في التجريم والعقاب.
ومعنى ذلك أن الشخص لا يكون مسئولاً عن الجريمة ولا تفرض عليه عقوبتها إلا باعتباره
فاعلاً لها أو شريكاً فيها. ومن المقرر أنه يعد فاعلاً للجريمة من يرتكب وحده أو مع
غيره الفعل المكون لها أو يأتي فعلاً من الأفعال المكونة لها (المادة 43 من قانون لعقوبات)؛
وفي هذا المقام لا يجوز الخلط بين المسئولية عن فعل الغير والمسئولية المفترضة، فالأولى
تنصب على مساءلة الغير عن جريمة لم يسهم في ركنها المادي والثانية تنصب على مساءلة
الغير عن جريمة لم يسهم في ركنها المعنوي بل يفترض في حقه توافر هذا الركن افتراضاً.
كما استندت المحكمة إلى «الفقرة (ج) من المادة (20) من الدستور المعدل والتي تنص على
أن «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية
لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقاً للقانون».
وقالت: «يعتبر هذا الأصل مبدأ أساسياً لضمان الحرية الشخصية للمتهم ومقتضاه أن كل متهم
بجريمة مهما بلغت جسامتها يجب معاملته بوصفه شخصياً بريئاً حتى تثبت إدانته بحكم قضائي
بات، كما يعتبر هذا الأصل ركيزة أساسية للشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجنائية،
وتتوافق هذه الركيزة مع الركيزة الأولى للشرعية الدستورية في القوانين العقابية، وهي
شرعية الجرائم والعقوبات، ذلك أن تطبيق قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص - مادة (20/أ)
من الدستور- يفترض حتماً قاعدة أخرى، وهي افتراض البراءة في المتهم حتى يثبت جرمه طبقاً
للقانون. كما أن افتراض براءة المتهم وصون الحرية الشخصية من كل عدوان عليها أصلان
كفلهما الدستور بكل من نص الفقرة (ج) من المادة (20) ونص الفقرة (أ) من المادة (19)،
فلا يجوز للسلطة التشريعية - وعلى ما سلف - أن تأتي عملاً يخل بالحدود التي تفصل بين
ولايتها، والمهام التي تقوم عليها السلطة القضائية، وخصوصاً أن تغل يد محكمة الموضوع
عن القيام بمهمتها الأصلية في أن تتحقق بنفسها وعلى ضوء تقديرها للأدلة التي تطرح عليها
من قيام الدليل على إتيان هذه الجريمة في كل أركانها، وعناصرها، وأن المتهم كان مدركاً
لحقيقتها، ودلالتها الإجرامية إدراكاً يقينياً لا ظنياً أو افتراضياً متجهاً لتحقيق
نتيجتها المؤثمة.
وأوضحت المحكمة الدستورية أن «افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه يقترن دائماً
من الناحية الدستورية بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك - ومن ناحية أخرى- وثيقة الصلة
بالحق في الدفاع، وتتمثل في حق المتهم في مواجهة الأدلة التي قدمتها النيابة العامة
إثباتاً للجريمة والحق في دحضها بأدلة النفي التي قدمها».
وعادت المحكمة إلى النص المطعون عليه، فقالت: «إن النص المطعون فيه افترض أن استيراد
أو تداول المطبوع يُفيد علم مستورده أو موزعه يقيناً بما يتضمنه المطبوع من مواد منشورة
به، وأن محتواها يكون جريمةً معاقباً عليها، يتوافر فيها القصد إلى ارتكابها وتحقيق
نتيجتها المؤثمة، مقيماً بذلك قرينة قانونية على افتراض القصد الجنائي في حق المستورد
عن جريمة لا تقع إلا عمداً.
وأضافت «لما كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه افترض المسئولية الجنائية للمدعي استناداً
إلى كونه المستورد والموزع للمطبوع السالف الذكر فإنه يكون قد نال من مبدأ الفصل بين
السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وانتقص من الحرية الشخصية للمدعي، وخالف مبدأ شخصية
العقوبة، وأهدر مبدأ افتراض البراءة، وأخل بضوابط المحاكمة المنصفة، وما تشمل عليه
من ضمان الحق في الدفاع، وبالتالي يكون مخالفاً لأحكام كل من الفقر (أ) من المادة (32)
والفقرة (أ) من المادة (19) والفقرات (أ)، (ب)، (ج) من المادة (20) من الدستور.
واستدركت المحكمة في حيثيات حكمها «إن مقتضى المادتين (30) و(31) من المرسوم بقانون
رقم (27) لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية أن أحكام المحكمة وقراراتها الصادرة في
المسائل الدستورية تكون ملزمةً لجميع سلطات الدولة وللكافة ويكون للحكم الصادر بعدم
دستورية نص في قانون أو لائحة في جميع الأحوال أثر مباشر، ويمتنع تطبيق النص المقضي
بعدم دستوريته من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم تحدد المحكمة تاريخاً لاحقاً لذلك؛
فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائي تعتبر الأحكام التي صدرت بالإدانة
استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن، وفي هذا الصدد تقرر المذكرة التفسيرية للدستور المعدل
- تحديداً لمضمون ما نصت عليه المادة (106/2) من الدستور - «وإذا كان النص اقتصر على
ذكر الأحكام الجنائية التي صدرت فإنه من باب أولى يسري ذات الحكم على كل الدعاوى التي
لم يكن قد صدر حكم فيها عند صدور حكم المحكمة الدستورية، إذ تعتبر هذه الدعاوي كأن
لم تكن»، ما مؤداه استفادة كل المخاطبين بالنص التشريعي المقضي بعدم دستوريته من الحكم
الصادر في الدعوى الماثلة فور النطق به، إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة (31)
سالفة الذكر، والتي تنص على أن يقوم الأمين العام بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق
به لتنفيذ ما يقتضيه.
واختتمت المحكمة بيان فصلها في القضية «لهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية المادة
(83) من قانون الصحافة والطباعة والنشر الصادر بالمرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002،
فيما نصت عليه من أنه «في الأحوال التي تكون فيها المطبوعات موضوع المؤاخذة قد نشرت
في الخارج، يعاقب المستوردون والمتداولون للمطبوع بالعقوبة المقررة لجريمة نشره المنصوص
عليها في هذا القانون»، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ ثلاثمئة دينار مقابل أتعاب
المحاماة.
وتعود وقائع القضية في الأساس، إلى أن النيابة العامة كانت أقامت الدعوى الجنائية ضد
المدعي بتهمة استيراد إحدى المجلات المنشورة في المملكة العربية السعودية رغم ما تحتويه
من أمور خادشة لشرف واعتبار إحدى الفنانات الخليجيات.
دستور
مملكة البحرين
قانون
الصحافة
مرسوم
بقانون بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر
مرسوم
بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر
مشروع
قانون تعديل بعض أحكام قانون تنظيم الصحافة
الدستور
يؤكد أن الصحافة الحرّة إحدى دعائم الديمقراطية
مراسلون
بلا حدود قلقة بشأن قصور تعديلات قانون الصحافة