جريدة الوقت - 1413 الأحـــد 17 محرم 1431 هـ - 3 يناير 2010
معتبراً نظام ثماني ساعات «عفا عليه الزمن»
المحفوظ لـ «الوقت»: تخفيض ساعات العمل إذا عجزت الشركات عن زيادة الأجور
الوقت - خليل بوهزَّاع:
دعا الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين سلمان المحفوظ إلى ''تخفيض ساعات
العمل إذا ما عجزت المؤسسات والشركات عن زيادة الأجور''. وقال المحفوظ في مقابلة أجرتها
معه (الوقت) إن ''البحرين بصفتها إحدى الدول الموجودة على قائمة البرنامج الريادي للعمل
اللائق لمنظمة العمل الدولية، عليها تلبية الالتزامات الدولية للتوافق مع مفهوم العمل
اللائق''. وأضاف أنه'' من خصائص العمل المقبول، الأجر المجزي، البيئة المناسبة، الحقوق
الكاملة''، مشيراً إلى أن ''عدد العمال المستفيدين من هذه الأوضاع المميزة إلى حد ما،
عدد قليل ولا يتجاوز 10% من عدد العمال في البحرين''. وأوضح أن ''مفهوم العمل اللائق
كما تعرفه منظمة العمل الدولية هو العمل الذي يكون في جو من الحرية، أي أنه غير جبري،
المساواة وعدم التمييز في الاستخدام والأجر وظروف العمل، الكرامة الإنسانية والتي تتمثل
في حق التنظيم واحترام حقوق الإنسان، وأخيراً الأمن، سواء في شقة الاجتماعية والمتمثل
في إحساس العامل باستقراره الوظيفي أو من حيث الأمن في ظروف العمل وتلبية متطلبات الصحة
والسلامة المهنية''. وأشار المحفوظ إلى أن ''هناك بيئة تشريعية جيدة، ولا أقول ممتازة،
مقارنة بالدول العربية الأخرى، وهناك حركة نقابية ناضجة ومتفهمة وواعية لدورها ومسؤولة
في تصرفاتها، وهناك مواقع عمل فيها ظروف وشروط عمل جيدة جدا ويمكن القياس عليها كنموذج''.
وتابع ''لو أخذنا شركة (بناغاز)، (بابكو) أو (البتروكيماويات) وظروف العمل في تلك المنشآت
كأنموذج استرشادي لتطليق العمل اللائق، والبناء على تلك التجارب، نصل للمفاهيم المتوخاة
من قبل المنظمة الدولية، إلا أن المعضلة تكمن في مدى جدية أطراف الإنتاج في تطبيق معايير
العمل اللائق''. ومن حيث توفير فرص العمل المقبولة لدى القوى العاملة الوطنية، قال
المحفوظ ''للعمل المقبول خصائص أهمها، الأجر المجزي، البيئة المناسبة، وبعض هذه الخصائص
متحقق ولو في حده الأدنى، إلا أن المشكلة أن عدد العمال المستفيدين من هذه الأوضاع
المميزة قليل''. وأضاف ''المهم تعميم النموذج الأفضل على باقي مواقع العمل''، لافتاً
إلى أن ''النقابات ومنذ أيام اللجان العمالية اتبعت دائما سياسة نسخ النموذج الجيد
إلى عدد من النسخ حتى تعمم بشكل واسع التجارب المفيدة على عدد متزايد من المؤسسات،
لكن بيننننا وبين أن نقول بارتياح ''حققنا الهدف'' مسافة كبيرة وبحاجة إلى نضال يومي''.
التقدم غير متوافق مع أعباء الحياة المعيشية وقال المحفوظ ''إذا وضعنا في الاعتبار
الأجور التي كانت تدفع قبل مشروع تعديل الأجور الذي دشنته وزارة العمل، والذي استهدف
ما يقارب 20 ألف عامل، يمكن القول إن هناك تقدما هائلا حدث، تشكر عليه وزارة العمل''،
مستدركاً ''أما إذا جعلنا المعيار هو الأجر الذي يفترض أن يتقاضاه العامل البحريني
اليوم، فلا شك أن هذا التقدم بطيء وغير متوافق مع ما تفرضه الحياة المعيشية من أعباء''.
ولفت المحفوظ إلى توصيات مؤتمر الأجور الذي نظمه الاتحاد مطلع العام 2009 ''من أهم
توصيات مؤتمرنا للأجور، وضع حد أدنى وطني للأجور، إلا أن الحكومة مازالت ترى هذا الخيار
غير مجد وأن طريقتهم في عقد اتفاقات ''جنتلمان'' مع أصحاب العمل أجدى نفعا''. ولفت
إلى أن ''الاتحاد مختلف مع الحكومة في هذه النقطة، كحركة نقابية نصر على إيجاد حد أدنى
وطني للأجر، وحد أدنى للأجر خاص بكل حرفة أو قطاع، ودون ذلك، سيبقى الأمر متروكا فقط
للنيات الطيبة ونحن نعلم أنها قليلة في هذا الزمن''. حتى ساعات العمل الثماني ''منتهكة''
واعتبر المحفوظ أن ''نظام ثمان ساعات عمل عفا عليه الزمن، والعالم اليوم يتحدث عما
هو أقل، وربما يكون هذا مطلبا يحتم علينا في الفترة المقبلة رسم استراتيجية عمل واضحة
للوصول إلى هذا المطلب''. وقال إن ''الحركات النقابية في الدول المتقدمة تضع تخفيض
ساعات العمل على رأس أولوياتها، فحين لا يكون بإمكان رب العمل رفع الأجر، فعلى أقل
تقدير تخفيف وزن العمل المقابل لهذا الأجر (...) الغريب أنه حتى الساعات الثماني المطبقة
حالياً منتهكة، فالكثير من العمال الأجانب لا يعرفون عدد الساعات التي يجب أن يعملوها،
خصوصاً في المؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة''. ولفت إلى أنه ''في بعض القطاعات
كالمطاعم ومتاجر التجزئة وخدمات المواصلات تصل عدد الساعات التي يعملها العامل الأجنبي
12 ساعة يومياً أو أكثر دون بدل عمل إضافي''. وأضاف المحفوظ ''حتى على صعيد التشريعي،
وجدنا في مسودة قانون العمل المقدمة من الحكومة إلى البرلمان إلغاء للنصاب اليومي''8
ساعات'' ووضع فقط النصاب الأسبوعي والمقدر بـ(48) ساعة، وعبر الاتحاد العام عن رفضه
لهذا التعديل الجائر وأصررنا على وجود الحدين معا، وهما حد اليوم (8 ساعات) وحد الأسبوع
(48 ساعة)''. الانتقال من موقع عمل إلى آخر دليل حيوية سوق العمل وبالنسبة للاستقرار
في العمل، أوضح المحفوظ أنه ''لا بد من الإقرار بأنه عالميا أصبح الانتقال من موقع
عمل إلى موقع آخر أفضل، من مميزات حيوية وديناميكية سوق العمل، ولم يعد العالم المتقدم
يتحدث اليوم عن عامل يبقى لمدة 15 سنة دون تغيير عمله''. وتابع ''الاستقرار اليوم أصبح
معناه مختلفا، إنه ليس البقاء في موقع عمل واحد لمدة طويلة، إنه استقرار في توفير معايير
العمل اللائق للجميع وليس استقرار في الزواج الكاثوليكي بين العامل وصاحب العمل''.
وقال إن ''التوازن بين حياة العامل الاجتماعية وحياته العمالية في تناقص، مقارنة بما
كان عليه العمل سابقا، فقد كنا في شبابنا، أكثر فراغا في بداية حياتنا العملية بينما
نرى الشباب اليوم لا يجدون متنفسا وسط زحام العمل المضني والذي لا يرحم''. وواصل ''ومن
ضمن معايير العمل اللائق أيضاً، هي المساواة في مفهومها العام، فلازالت في البحرين
مشكلات نعاني منها مثل حرمان النساء المتزوجات من علاوة المتزوج وإعطائهن علاوة الأعزب
ومنح علاوة سكن أو توفير سكن للعامل الأجنبي دون المحلي وغير ذلك من صور عدم المساواة''.
وقسّم المحفوظ الحماية الاجتماعية التي يتمتع بها العمال إلى فئات ''فمنهم من يعيش
بالفعل وضعاً مريحاً في الحماية الاجتماعية، وثمة فئات لا تحصل على أي نوع من التأمين
الاجتماعي مثل العاملات في الرياض، والحال أيضاً سيان فيما يتعلق بالحوار الاجتماعي،
فهناك من العمال من يناضل من أجل رفع أجره فوق مستوى حد الكفاف وخط الفقر، وآخرين يناضلون
من أجل زيادة حصته من البونس''. وأضاف ''هناك مواقع عمل كُرست فيها علاقات متوازنة
بين النقابة وإدارة الشركة، واستطاعوا عبر الحوار الاجتماعي تلبية جملة من الحقوق العمالية،
فيما هناك مواقع أخرى لايزال فيها البون شاسعا بين الحد الأدنى من الحقوق وواقع الحال''.
وأصاف المحفوظ أن ''بعض الإدارات تستنكف حتى من مجرد الجلوس مع النقابات والتفاوض حول
المطالب العمالية، ناهيك عن أن تستجيب لهذه المطالب''، مشددا على أن ''استهداف هذه
المواقع الأصعب مهمة الحركة النقابية الأكثر جدارة وصعوبة وأهمية''. الوصول إلى العمل
اللائق ''معركة الجميع'' وحول ملاحظات الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين على السياسيات
الرسمية في مجال العمل اللائق، قال المحفوظ ''لا بد أن نشير في بادئ الأمر إلى أننا
حين ننتقد الطرف الرسمي، لا يتم ذلك مناكفة أو عداء، فنحن ندرك تماما أن معركة الارتقاء
بمعايير العمل إلى مستوى العمل اللائق حسب منظمة العمل الدولية هي معركة الجميع''.
وأضاف ''حين يرتقي اقتصاد البحرين ونظامها الاقتصادي وسوق العمل بها إلى مستوى التنظيم
الذي يحترم معايير الحرية والمساواة والكرامة الإنسانية والأمن فهذا لن يخدم العمال
وحدهم، بل سينعكس إيجابياً على صورة أصحاب العمل والحكومة أيضا''. ونفى المحفوظ بشدة
أن ''البلد الأقل حقوقا عمالية هو الأنجح اقتصادياً والأكثر جلبا للاستثمارات الناجحة''،
موضحا أن ''المستثمرين الباحثين عن رخص العمالة وتدني شروط العمل ليست غايتهم ازدهار
بلدهم كالبحرين، بالعكس هم مستثمرون كهؤلاء عالة على الاقتصاد وعلى كل مجتمع''. نصف
مليون أجنبي مقابل 150 ألف عامل بحريني رأى الأمين العام أن ''السياسات الرسمية أنجزت
الكثير ولا يمكن نكرانها، فقد تمكنت وزارة العمل في بعض القضايا من قيادة حوار ناجح
بين النقابات والإدارات، وتلبية بعض مطالب العمال والوصول إلى تسوية بينهم وبين أصحاب
العمل''. وأضاف ''إلا أن العمل اللائق كأجندة أكبر من كل ذلك، فثمة حاجة ماسة إلى إعادة
هيكلة الاقتصاد كي لا يصبح لدينا ما يقرب من نصف مليون عامل أجنبي، مقابل ما يقرب من
مئة وخمسين ألف عامل بحريني فقط حسب الإحصاءات''. وتابع ''البلد فيها مشروعات ومنشآت
لا تفعل غير أن تزيد من تدفق العمالة الرخيصة في ظروف غير إنسانية''. وأشار المحفوظ
إلى أن ''العمل اللائق، يحتاج تدخل الدولة في الخصخصة بكل قوة، ولا تترك المشروعات
لشروط رأس المال لينال من المكاسب العمالية، وهو أيضاً بحاجة إلى تعميم آلية التفاوض،
كنموذج استرشادي يمثل الحد الأدنى من نظام الحوار الاجتماعي بين النقابات والإدارات''.
واعتبر المحفوظ أن ''هناك جدية وحسن نية مشكورَين لدى وزارة العمل في هذا الصدد، لكن
العمل على الأرض مايزال دون الطموح''، مستدركاً ''أما على مستوى القطاع الحكومي فالعمل
اللائق يستلزم إطلاق حرية النشاط النقابي كشرط لا غنى عنه للحوار الاجتماعي وكل تقييد
لهذا النشاط هو ضد العمل اللائق''. وتابع ''وهو أمر ننتظره من الطرف الرسمي، ونعتقد
أنه قادر عليه بمجرد اتخاذ قرارات سيادية متعلقة بالتوظيف وحل البطالة ووقف الخصخصة
غير المدروسة والسماح بالتشكيل النقابي في كل القطاعات وتصديق الاتفاقيات الدولية الخاصة
بالحقوق الأساسية في العمل وعلى رأسها اتفاقيتي 87,.''98