أخبار الخليج - العدد
11769 - الأحد 13 يونيو 2010 الموافق 1 رجب 1431
الثقافة السياسية
شنظام المجلسين التشريعيين
تتكون السلطة التشريعية في الكثير من النظم
الديمقراطية المستقرة من مجلسين أو غرفتين، كظاهرة انتشرت انتشارا واسعاً منذ الحرب
العالمية الثانية، لها فلسفتها - بمعنى مبادئها وأهدافها ومزاياها - ونوعها، وأيضاً
تطورها من خلال الممارسة، وفي إطار ما أصبح يعرف بدولة المؤسسات والقانون.
بعبارة أخرى ينتشر نظام المجلسين التشريعيين في نظم ونماذج متنوعة، من دول متقدمة
في الشمال وأخرى آخذة في النمو في الجنوب، ديمقراطيات مستقرة وعريقة، ومن نظم ناشئة
تتطلع إلى المزيد من الإصلاح والتحولات. يكمن خلف هذا الانتشار ويفسره، ما يمثله
نظام المجلسين من مزايا ومبادئ وأهداف، وكثيراً ما يكون أحد المجلسين منتخباً،
والآخر يتشكل إما بالانتخاب أو التعيين أو بكلاهما معاً.
وجود مجلس واحد - والذي انتشر عقب الحرب العالمية الأولى وانحسر كثيرا بعد الحرب
العالمية الثانية - يعني تبني تشريعات واتخاذ قرارات على نحو متسرع، وقد يحمل تحيزاً
لمصالح أو جماعات أو قطاعات لها تأثيرها المسيطر في أروقة المجلس. وفي كل الأحوال
فإن محصلة أعمال المجلس تعكس، كما يتوقع دائما، تصورات واهتمامات أعضائه المنتخبين،
ويسمى عادة بالمجلس الثاني لأنه أكثر قرباً للقاعدة الشعبية، بينما المجلس الآخر
يطلق عليه المجلس الأول و يضم أصحاب الخبرات والكفاءات.
وهذا ما يفسر اتجاه معظم النظم السياسية المعاصرة إلى تبني نظام المجلسين
التشريعيين، لتفادي أوجه القصور التي يعاني منها نظام المجلس الواحد، ومن أشهر هذه
النظم: النماذج الثلاث الأساسية في العالم والتي تشمل: النظام البرلماني في المملكة
المتحدة، والنظام الرئاسي في الولايات المتحدة، ونظام الجمعية الوطنية في فرنسا ،
كما تأخذ به اليابان وألمانيا وإيطاليا وأغلب النظم المعاصرة .
يحقق نظام المجلسين التشريعيين أهدافاً ومزايا عديدة، لعل أهمها:
1ــ يضم المجلس الأول فئات من المفكرين وأصحاب الخبرات والكفاءات المشهود لها،
ويعتبر هؤلاء بمثابة عقل الأمة وضميرها، وأكثر قدرة على صياغة القوانين والتشريعات
من دون خطأ أو تسرع، كما قد يضم هذا المجلس بعض عناصر وفئات مهنية أو عرقية أو
ثقافية.
2ــ يشكل المجلس الأول توازناً في الأداء البرلماني، ويوفر فرصا أكبر للمناقشات
والدراسات المتعمقة للقوانين والتشريعات، وأيضاً لآليات الرقابة البرلمانية عند
استخدامها، ومن ثم يحقق المجلسان التشريعيان ما تتطلبه العملية التشريعية من توازن
و تعاون.
3 ــ يمنح المجلس الأول لبعض الفئات أو الأقاليم فرصاً متساوية - كمجلس الشيوخ
الأمريكي حيث تمثيل متساو للولايات مقابل تمثيل أكبر للولايات الأكثر سكاناً في
مجلس النواب - أو يمنح للعناصر القانونية والقضائية دوراً استثنائياً، كمجلس
اللوردات في بريطانيا الذي يلعب دور المحكمة العليا في المملكة المتحدة. وهكذا فإن
المجلس الأول (والذي يمثله مجلس الشورى في مملكة البحرين) يمثل صمام أمان للتمثيل
السياسي العادل المتكافئ في النظام السياسي، وبما يكفل إبراز عناصر نوعية خاصة ،
كأصحاب الفكر والخبرة والكفاءة، أو التخصصات القانونية والاقتصادية، أو جماعات و
أقليات عرقية أو ثقافية أو دينية لم يتسنى لها التمثيل في المجلس النيابي.
إن إعادة مناقشة مشروعات القوانين مرة ثانية بالمجلس الأول أي مجلس الشورى من شأنه
أن يكفل زيادة التمحيص ومن ثم تجنب الأخطاء المحتملة، فتحظى القوانين بالاستقرار
النسبي، وتكون أقرب إلى المصلحة العامة مما لو كانت صادرة عن المجلس الواحد.
ويقوم نظام المجلسين على مبادئ وأسس يحددها الدستور والقانون، وليس من الضروري أن
يتساويا في ممارسة دورهما التشريعي والرقابي، أو في مدة كل منهما، وقد يعمل كل
منهما منفصلا عن الآخر، كما قد يشكلا لجانا، أو اجتماعات، مشتركة بينهما، خصوصاً في
شأن موضوعات لها طابع خلافي بينهما، أو ذات أهمية خاصة أو عاجلة.وفي إطار المشروع
الإصلاحي لجلالة الملك، نص ميثاق العمل الوطني على الأخذ بنظام المجلسين، ليتم
تشكيل السلطة التشريعية على أساس تكوين ثنائي متوازن، أسوة بالديمقراطيات العريقة،
وبما يعزز حق الشعب في ممارسة حقوقه السياسية الدستورية، وهو ما تطلب تعديلاً
دستوريا، فنصت المواد (56) و(52) و(51) من الدستور على أن يتألف المجلس الوطني من
مجلسين هما مجلس الشورى، حيث تعيين الأعضاء بأمر ملكي، ومجلس النواب الذي ينتخب
انتخابا حرا مباشراً وفق أحكام القانون.
وتؤكد المذكرة التفسيرية لدستور مملكة البحرين على أهمية نظام المجلسين في الجمع
بين الأساس الديمقراطي - انتخابات مجلس النواب - والأساس الفني الذي يضمن وصول ذوي
العلم والخبرة بالتعيين في مجلس الشورى، وأهمية هذا النظام في توزيع المسؤوليات
التشريعية، وضمان حسن سير العمل البرلماني، ومنع الخطأ أو التسرع في التشريع.
كما أكدت المذكرة التفسيرية كذلك على أهمية أن يتساوى مجلسي الشورى و النواب من حيث
تكوينهما، فأصبح كل مجلس يتكون من أربعين عضوا، ليتحقق بذلك التكوين الثنائي
المتوازن للمجلسين وفق ما نص عليه ميثاق العمل الوطني أيضا من حيث الاختصاص
التشريعي لكل منهما. أما الاختصاص الرقابي فقد اسند بصفة أساسية إلى مجلس النواب.
ويتطور نظام المجلسين التشريعيين عادة من خلال توفير مناخ ديمقراطي يكفل توسيع
المشاركة السياسية، والحريات السياسية، ومع استمرار التفاعلات السياسية، وعلاقات
المجلسين ببعضهما، وعلاقاتهما بالأجهزة والسلطات الأخرى.
ولا مناص من الأخذ بنظام المجلسين، بما يكفل ممارسةً لها طابعها الديمقراطي، على
مستوى من الرقي والتطور، وإرساءً لمفاهيم وأسس دولة القانون والمؤسسات.